عندما تسقط بتلات الزهر من أكمامها، تصبح الأعواد المعلقة ما بين الأرض والسماء جرداء خاوية، وعندما يكره الإنسان يصير كتلك التي فَقَدَت زهوها وبهاءها وصفاءها ونقاءها واحتلت مكاناً في الجحيم.. هكذا فعل الإرهاب عندما داس على البراءة تاركاً لعبة الطفلة الصغيرة تبحث عن اليدين البضتين، تسأل عن عيون كانت ترمقها بعفوية وترسم للمستقبل صورة تزدهر بالفرح.. هكذا فعل الإرهابي عندما ضرج عروس الريفيرا بداء الأبرياء الذين جاؤوا كي يحتفلوا بيومهم الوطني، يوم الاستقلال، يوم انتصر جان جاك روسو على أعداء الحرية وأعطى لفرنسا عقدها الذهبي ألا وهو «العقد الاجتماعي». هكذا فعل الإرهابي عندما امتلأ صدره حنقاً وحقداً وضنكاً وظلماً وصنجاً، فأطاح بالمعاني، وأسقط أوراق الشجرة الخضراء لتقع على الأرض خشاشاً.. هكذا فعل الإرهابي عندما غادر مناطق الحب واستوطن جزيرة ملأى بالأنياب الضارية، ويفعل بنيس ما فعله نيرون بروما.. هكذا فعل الإرهابي، وهو يمتطي دابته الحمقى فيدهس ويهرس ويرفس ويخسف ويعسف ويسف ولا يكف عن بعثرة الأجساد على رصيف العدمية.. هكذا فعل الإرهابي عندما شاخت مشاعره وناخت عواطفه، وأصبح العقل مثل إسفنجة تمتص الحثالة والنخالة وتصيب الناس الأبرياء بالأذى. هكذا فعل الإرهابي عندما صار القلب بقعة زيت تهتك وتفتك وتهلك وتحيل الفرح إلى معركة دموية بطلها كائن جاء من عالم آخر، عالم يتحول فيه الإنسان إلى وحش كاسر، ذي حظ عاثر، هدفه أن تغيب الشمس ويحتل الظلام أرض البسيطة، والأشخاص يتحولون إلى خفافيش تمتص الدماء في الليلة الظلماء، ويعيث الفساد في أرض العباد. هكذا فعل الإرهابي عندما صار القبح في عينيه جمالاً فتهور وتضور وتكور وتسور بعناقيد غضب ورهب حتى صاح النهر الجليل، لقد فاض الكأس.. فاض الرأس، فاض الرجس، فاض النجس، فاض النحس.. هكذا فعل الإرهابي عندما تشبه بالشيطان فكسر الفنجان وراح يلعق من الرذيلة يظن أنها فضيلة، ويشرب من السم الزعاف يظن أنه العسل المصفى، ويسكن الجحيم يظن أنه جنات الخلد.. هكذا فعل الإرهابي عندما نامت على صدره ذبابة تسي - تسي فنام وتخدر وسكر واحتسى من الجهل حتى الثمالة، فراح يطوح ويشوح حتى مالت قدماه باتجاه البؤس والخنس فعسعس ولم يتنفس إلا من دخان الحقد وغبار الكراهية لتصير «العروس» مكاناً للموت والعدمية. هكذا فعل الإرهابي عندما عاهد نفسه أن يكون خائناً للضمير، حانثاً للعهد وللبلد التي آوته وأنزلته منازل التكريم.. هكذا فعل الإرهابي وهو يخض الخضيض ويرض الرضيض وينحط في الحضيض فيخطف الجمال من مدينة الجمال، ويسقط كل عصافير الشجرة من أعشاشها، وتصرخ السماء بصوت مدوٍ، إنها قيامة البشر، عندما فارقت العقول منازلها، وغدر بالطير لتصير الأجنحة مراوح مقطوعة من أصلابها، تائهة، ضائعة في متاهات الغي البشري. هكذا فعل الإرهابي، ولكن سيبقى الحب شريعة العشاق ومنهاجهم وبهجتهم.