بالأمس حدث موقف كان يمكن أن أعده أنا كاتب القصص، فيلماً هندياً، لو أخبرني أحد، أو سمعته من أحد، ولكن لأنه حدث أمام عيني، فلم أتمالك نفسي، جميعنا ضعفاء أمام المشاعر الإنسانية، وأمام الدموع الإنسانية، وأمام الظلم والجور الإنساني، المكان كان قاعة مسرح المحاضرات في جامعة كاليكوت، والزمان الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم الثلاثاء 18 يوليو 2016، والحدث لقاء أخ مع أولاد وبنات شقيقه لم يره إلا مرة واحدة حين كان صغيراً، ولا يعرف أن للأخ أولاداً، لقد مضى ثلاثة وأربعون عاماً على ذلك اللقاء اليتيم. كان «د. محمد كامل المعيني» بجانبي يتحدث للجمهور عن الدبلوماسية الثقافية، وثقافة الدبلوماسية، وقبله «د. مريم الشناصي»، متحدثة عن تاريخ علاقة الإمارات مع الهند، ووشائج الصلات الكثيرة، وكنت أنا أول المتحدثين عن الأدب والقصص، لنتفاجأ بأجمل قصة وأغربها على الإطلاق، حينما انبرى شخص من مدخل القاعة يرتدي لباس «الملبار»، وبسيط، مثل أهالي كيرالا، كان يتصفح الوجوه، فقد رأى الإعلانات التي ملأت الشوارع ومداخل الجامعة تعلن عن أسمائنا وتزخر بصورنا، ونشاطاتنا في الجامعة، دخل الرجل الأربعيني قاصداً «محمد كمال المعيني» ليخبره أنه ابن أخيه الكبير «يوسف»، ومعه أخواته وزوجته، وتعانقا وسط ذهول وتصفيق طلبة الجامعة وأساتذتها والحضور، وشهقات الطالبات، ودموع الكثير، التقت الإمارات مع الهند، متمثلة بالأخ «المعيني» وابن الأخ «أبو بكر» وأخواته، وكانت اللغة حاجزاً، وحدها مشاعر القربى، وصلة الرحم تخطت الحدود، وأوجدت لغة مشتركة، ودافئة، استوجبت الدمع الغزير. ولأنها قصة غير عادية، فهي بالتالي تجر وراءها قصصاً أخرى، فقبل نحو سبعين عاماً كان أبو«المعيني» نوخذة «سفينة»، وكان يسافر ويتاجر مع أفريقيا والهند وغيرها، ويتوقف عادة في ميناء «كاليكوت»، وتزوج من هناك، فأنجبت له الزوجة الهندية ولداً اسماه «يوسف»، تطبع بعادات وتقاليد ولغة أمه، لأنه لم يستطع مفارقتها صغيراً، وأصبح هندياً حتى حينما زار الإمارات، وهو شاب لم يقدر على التكيف، ولا المكوث الطويل، فرجع مسرعاً إلى «كيرالا»، وهنا تزوج «يوسف» ورزق بأولاد وبنات، واليوم هم متزوجون، لكنه لم يتواصل مع أخوته في الإمارات، حتى وفاته قبل سنوات، تاركاً تلك الشقة تتسع، وتلك القطيعة تزداد، وتلك اللغة الحاجز تقف بين أفراد العائلة، لحين جاء الأمس، وكان اللقاء. لقاء جعل الحضور متخشباً للحظات، تاركاً مسافة طويلة للتأمل، ومعنى مصادفات الحياة، عجز الكلام حينها عن الوصف، وعن التعبير عن الدواخل، وكيف يمكننا أن نترجم العواطف، انزويت متمنياً حينها لو يتركني الجميع.. فقط أريد أن أتأمل وبصمت، كيف هي الحياة!