إلى «كاتب شاب طموح»، لا تحلم أن تكون كاتباً عظيماً. لا تكتب لتكون عظيماً. انتهى زمن العظماء. هذه كانت حقبة ماضية من الزمن، حين كان الناس ينتظرون ويسمعون ويصدقون الآمال الكبيرة، الآن لم يعد أحد ينتظر شيئاً، فقد حصل كل شيء، وأصبح العالم قديماً، ولم يعد أحد يصدّق شيئاً، بعد أن صارت كل الوعود أكاذيب. البشرية شاخت جداً، فعادت لمرحلة الجنين، حيث تحاول من جديد أن تقف كلما وقعت، وتتعلم كيف تخطو الخطوات الأولى، لو أمكن لجنين عجوز واهن أن ينهض ويسير من جديد. الآن الكتابة فقط كطوق إنقاذ ذاتي، اكتب لتنقذ ذاتك، لتتلمس خطواتك، ولعلك بذلك تعين قارئاً على احتمال حياته. لم يعد في هذا العالم متسع لعظماء جدد. لن يأتي تولستوي وديستوفسكي جديد معجون بثلوج موسكو وصقيع سيبريا الموحشة باحثاً عن أمل للإنسان وسط الظلام، لن يأتي سحرة القارة اللاتينية بعصيّهم المبهرة، يضربون بها على غصن شجرة، فيتحول لحبل ممتد بين الأرض والسماء تتأرجح عليه البشرية بين روعة الحلم ودهشة اليقظة.. انتهى كل ذلك، الآن فقط زمن القحط الإنساني والعودة إلى البداية، حيث يقتل الأخ أخاه، وتطبق السماء على عيون طفل يبحث عن أمه وسط الخراب، ويحاول رجل مهيب ألا ينحني لذل الجوع. الآن نحن في حقبة البداية، حيث لم يتشكل الإنسان بعد، وما زال في هيئته شك إنْ كان بشراً أم قرداً مسخته الآثام. إذا أردت أن تكتب، فتذكر أن لا أحد هناك كي يسمعك، ولن ينتظرك أحد، أنت تكتب كأنك الإنسان الوحيد على الأرض، تكتب كي تشعر بذاتك، فلا تظن نفسك حجراً ملقى في طريق مهجور. أنت تكتب كي لا تقع في الحفر، والطريق أمامك كله حفر، لو وقعت فيها غالباً لن تخرج، وستنسى أنك كنت يوماً إنساناً تعيش على سطح الأرض تحت الهواء والشمس، قبل أن تتحول لحشرة تجثو داخل حفرة مظلمة. أنت تكتب لكي تظل متشبثاً بإنسانيتك فقط، بحقك في أن يكون لك رأس تفكر به وقلب يخفق بالحب. وإنْ كان لديك أمل عظيم، فتأمّل فقط أن يستشعر قارئ ما من خلال كلماتك إنسانيته هو أيضاً. فتقف بذلك مادّاً يدك لمن يلتقطها، ومَن التقطها مادّاً بدوره يده لمن يلتقطها وهكذا، في طابور متشبث ببعضه، كي لا يسقط في هاوية العدم. وكن مستعداً دائماً لاحتمالية ألا يلتقط يدك أحد، وأن لا يتردد في أذنك سوى صدى صوتك.