يصير الدين قارباً من ورق، يتهادى وسط موج العبثية، عندما يخطفه مفتون مغالون، يستندون إلى الحشوية، واللاهوتية، والأهواء التي تبعث على التقزز كونها تنفي دور العقل في التبصر والتفكر في خلق الله عز وجل والتمعن في آياته الكريمة بكل إخلاص وصدق من دون نوازع شهوية ولا دوافع شعائرية ساذجة وبلهاء. يقول الفيلسوف الإسلامي ابن رشد: «إن الحشوية قد أقامت أصولها على الأخذ بظاهر الآيات وفهمت هذه الآيات على ظاهر لفظها دون المحاولة لإقامة التأويل، هذه الطائفة قد ذهبت إلى الطريق إلى معرفة وجود الله تعالى هو السمع وحده لا العقل بمعنى أن الإيمان يكفي أن يكون عن طريق المفتي وذلك مما لا دخل للعقل فيه»، ويضيف ابن رشد: «حين يلغي الحشوية والمغالون والمفتون دور العقل في فهم الآيات، معنى هذا أنهم يستبعدون بذلك الإنسانية، إذ إن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو العقل، كما أن إلغاء العقل لا يتفق مع ما جاء به القرآن من آيات تحث على التفكر والتبصر». من هذا المنطلق الذي بدأ فيه ابن رشد فلسفته العقلانية فإننا لا نجد غرابة في أن يحشد المغالون جل قواهم، لينفوا هذا الفيلسوف ويحرقوا كتبه ويسفهوا من علمه، ويسخطوا على فكره ويتذمروا من اجتهاداته لأن هؤلاء اعتبروا الدين ملكية خاصة ولا يحق لأحد أن يقترب منها كما أنهم أرادوا أن يحولوا الدين إلى مؤسسة يختص بها أناس، تماهوا مع الربوبية ومن ينتقد أو يختلف معهم فإنه يضع إصبعه في النار، المغالون والمفتون تعالوا على الناس باسم الدين، والدين براء من الكبر والادعاء لأنه دين العالمين، دين الحياة، دين الحب، دين التسامح، دين التواصل، دين البناء والتعمير وأول بناء يبدأ في تعمير النفس البشرية، بالصفاء والنقاء، وحب الآخر ومنه حب الوطن كون الوطن الوعاء الذهبي الذي يضم كل المجوهرات البشرية، ويضعها في ميزان العدالة والمساواة، دون تحريف من نفس مرتبكة ولا تخريف من قلب مرتجف ولا تجريف من عقل مستخف.. هذه الفوضى العارمة التي أشاعها المفتي الجاهل هي التي أنتجت كل هذا الزبد وكل هذا الهراء واللغط والشطط لأنه إذا لم تحكم الإنسانية قوانين العقل فإن المصير هو هذه العدمية البغيضة وهذه العبثية اللقيطة، وهذا السرطان المدمر الذي يسمى الإرهاب.. فعندما يغيب العقل يطفو الجنون ويتحول العالم إلى طائرة مخطوفة فلا مهبط لها ولا مربط والله المستعان.