في منتصف الثمانينيات، عرضت إحدى قنوات التلفاز الأميركية برنامجاً مطولاً حول خليجنا العربي، كان بمثابة قراءة متأنية في سائر التفاصيل الاجتماعية والسياسية، رؤية ورؤى وحكايات لناس المنطقة، وممن وفدوا إلى الخليج العربي إبان الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وجوه حضرت وعاشت وتعايشت مع المجتمع الخليجي، وعرضت القناة برنامجها أسبوعياً، وكأن حسها الإعلامي يثب بها فوق محور الحياة لأهمية المنطقة، لم لا والقبض على التفاصيل الصغيرة مهمة صعبة حينها، لكنها حضارية في تطلعها نحو التغيير القادم. ما قدمه برنامج «إمارات الخليج» للمشاهد الأميركي كان استشرافاً جميلاً؛ لأنه بدأ من جذور حياة المنطقة، وما قبل فلول حياة الغوص، ومعاناة الناس البسطاء في مهنة صعبة متوارثة عبر التاريخ، وخاض البرنامج في تساؤلات وهو يجوب الأسواق الشعبية الحية، وبين ردهات حكومية قامت في التو، فكان سرداً مبيناً على ألسنتهم، تماهى على أثره تراث البحر، في حديثهم الشائق والممتع، سرد أبناء المنطقة على ألسنتهم خصوصية هذا التراث التاريخي المتسامح إلى أبعد حد، والذي يعد أصعب مهنة رزق يواجهها البشر، مهنة كابدوا من خلالها الغرق والضياع والموت، وما سرد على ألسنة أهل الخليج العربي مثل دهشة للمشاهد الأميركي. طبعاً لم يغفل البرنامج خصوصية هذه المهنة سواء أكانت ثقافية أو تجارية، فتحدث الذين وفدوا لتجارة الذهب والذين أقاموا بالمنطقة، وهم قلة في ذلك الوقت، حول الاختلافات الثقافية ما بينهم وحياة أهل الخليج العربي، وهي اختلافات دارجة ما بين مجتمعين مختلفين، لكن الأهم أن منطقة الخليج العربي دائماً ما تكون مصدراً للتوافق المجتمعي مع محيطها سواء أكان زمن الغوص أو ما بعده. ولم يجد البرنامج بداً من استطلاع هذه الناحية، إلا وهي الرؤى السياسية، وهل ستحيد عن الانتماء الحقيقي؟ هل ستعمل على الاستنباط من الحياة المعاصرة؟ وما المستقبل السياسي للمنطقة؟، وقد عبرت بعض القيادات المجتمعية في الخليج العربي بأن ما يميز دول الخليج العربي، أنها ذات خصوصية تكمن في التشريع المجتمعي الدال على وحدة الرؤى الحياتية، وتناسق الأفكار ما بين المجتمع وقيادته ذات الشفافية المتجددة، ورغم ما طرحه البرنامج منذ وقت الثمانينيات إلى وقتنا هذا، إلا أنه يعد من البرامج المهمة استنتاجاً واستشرافاً.