القليل جداً من الناس يهتم بما يشغل الآخرين وما يقض ويزعج مضاجعهم ويحول حالاتهم من الهدوء والسكون إلى ردات الفعل العجيبة، فقد يقفز من موقعه وغفلته ويقطع حديثه وينتصب واقفاً طالباً منك بإلحاح شديد أن تذكر الله، على الرغم من أنك لم تغضب الله في شيء، وإنما أبديت دهشة أو أطلقت عبارة تعجب لحديث أو عمل أو موقف يخص ذلك الإنسان أو أحداً يعتز به، وقد لا يرجع ذلك المثار والمنزعج إلى سكونه إلا إذا قلت ما شاء الله، أو تفلت عليه كما يفعل قارئ القرآن أو المطوع في صحن صيني قرأت فيه آيات وكتبت فيه (محو)، عندها فقط يمكن أن يعود ذلك المتحدث أو صانع العمل أو البارع في نشاطه إلى الاستمرار في موضوعه، قد يظن الذي يقرأ هذا الحديث أن ذلك يحصل في أزمنة ماضية، وقبل أن يتعلم الناس وينالوا هذه المعرفة والعلوم الحديثة، ولكن للأسف أن الموضوع ليس كذلك فقد شاهدنا أناساً نالت الكثير من العلم والثقافة والمعرفة، بل قد يكون مسؤولاً في مكان ما، وقد يكون حاصلاً على درجات علمية كبيرة، ولكن ما زال يؤمن بالخرافات والشعوذة، ويتصرف مثل جدته الأمية التي دفنت قبل مائة عام، قد تتفهم الذين يؤمنون بالعين لنصوص دينية، وإرث اجتماعي عتيق ما يزال يلازم الكثيرين، ولكن الزار والسحر والحسد والعين تكاد تتحكم بالبعض وتنغص حياته، ويعيش ذلك الشخص وقته وزمنه أسير تلك الأمور، بينما آخرون يتكلون على الله ويفوضون أمرهم له وحده ولا يبالون بعدها بأي أمر. نعم دائماً ما تأتي الفروق الفردية وكثيراً ما يفوز الأثر والعامل الاجتماعي على طباع الناس أو بعضهم، وكل تصرفاتهم وأعمالهم هي تقليد ومحاكاة، وهي الحاكم والمتحكم في التصرفات التي نشاهدها عند الكثير من البشر، وقد لا يكون للعلم والتعليم والحضارة والتقدم أثر فيما يقوم به البعض من سلوكيات في الحياة المتحضرة الآن، ولنشاهد عادات البعض في الأعراس والأفراح والمآتم وما بقي منها من مظاهر في غاية التخلف والرجعية، قد يكون العصر الحديث تجاوزها، ولكنها ما تزال عند البعض باقية ومستمرة على حالها القديم، بل قد يمارسها من نال قدراً كبيراً من العلم والمعرفة، والجانب الاجتماعي يهزم التعليم إذا بني على ركام ونسيج هائل من البعد الديني والموروث الاجتماعي، الذي لا يقبل النقد في ظل من يحرس ذلك التخلف ويعززه دائماً!.