من يقف خلف خلق صورة للمسلم الجديد، وكأنه مشروع تفجير مؤقت، وأنه ذو السُحنة المتجهمة دائماً، الغاضبة من شيء لا تعرفه، البعيدة عن النظافة بتلك الأسمال الغليظة البالية؟ لمَ لا نجد صورة كاريكاتورية للمسلم في الصحافة الغربية، وحتى العربية مبتسمة أو على الأقل طبيعية إلى حد ما، بعيداً عن السخط والغضب والاشتعال الذي يدمره، ويدمر غيره معه؟! لقد تتبعت الصحف العربية والأجنبية، وخاصة بعد الأحداث، فلم أجد صورة قريبة للمسلم، وكأن كل المسلمين في العالم يشبهون من فجّر نفسه بحزام ناسف أو هدد متسوقين في محل تجاري عام أو من مر بشاحنته على محتفلين بعيدهم الوطني، وأبادهم عن بكرة أبيهم، رغم أن هؤلاء الفاعلين أشبه بالرجال العاديين من الصورة النمطية، لمَ صور هؤلاء المذنبين لا تشبه الصورة النمطية للمتأسلم الجديد الذي يريد الغرب تسويق صورته؟! لمَ يصرون على وضع صورته النمطية في ثوب عربي أبيض، وهو ملتح بشعر كثيف ومبعثر، وأسنانه فُرق، ولا يبتسم إلا ساخراً أو حين يواتيه النصر على الكفار؟! أما في العموم فهو مكفهر، مستأسد، غاضب، متوعد، وكأنه صنم «أفغاني» أو ما تبقى منها، ومن حروب ذلك البلد الجبلي المجهول، والذي دمر على فترات متعاقبة: الغزو السوفييتي، حروب أميركا الأفغانية، حروب الأخوة الأعداء، انتصار المجاهدين بدعم الأفغان العرب، وتصدير هذا الزهو بقيام خلافة إسلامية في بلدانهم التي دعمت جهادهم الإسلامي ضد الشيوعية الملحدة، هذا بخلاف حروب الشركات المتعددة الجنسيات، والأجهزة الأمنية المختلفة في الساحة الأفغانية. من صدر لنا صورة المسلم اليوم على أنه مشروع جهادي، على الشاكلة الأفغانية، العبوس، المعلن براءته من المجتمع والنَّاس، الذاهب لحتفه بظلفه، صورة بعيدة عن مسلم «الحضارة» التي عرفها الغرب وتعلم منها، وعليها، من خلال حضارة الأندلس والثغور الإسلامية الأوروبية أو من خلال ما عرف إبان الحروب الصليبية أو من خلال ما نقله المستشرقون والفنانون الذين عرفوا الشرق، وكتبوا عنه، ورسموا ما فيه؟! لمَ تغيرت صورة المسلم، وأعطيت شكلها الجديد البعيد عن التفكير، القريب من التكفير؟! هل ساهمت الحركات الإسلاموية، والأحزاب السياسية المتأسلمة، والتي هي إما صنيعتهم، وإما مدعومة وما زالت منهم لتنفيذ أجنداتهم السياسية في الشرق المستعصي عليهم؟! لمَ غابت صورة المسلم المتسامح والمتنور والداعي للتلاقح الحضاري عن المشهد، وبرزت الصورة التي يريدون، والتي يجتهدون لتسويقها، وتثبيتها في الذهن، وذاكرة الناس؟! هل هناك لعبة يختفي وراءها الصهيوني الذي سبق وأن سوّق صورة اليهودي التائهة والمطارد، وخلف الأسوار الشائكة، وقد نجح في استغلالها، وابتزاز الغرب بها سنين طويلة، وحتى الآن؟! المشكلة أننا في صحفنا العربية والمسلمة ننهج نهج الغرب في تصدير وتسويق تلك الصورة النمطية عن المسلم، وعن العربي، ولا نحاول أن نعطي الصورة المضيئة، والصورة الحضارية للمسلم، واضعينه في إطار تلك الصورة التي يفرح بها الغرب، ويقاتلنا عليها، رغم أنها ليست من صنعنا، ولا شخوصها من صنع أيدينا!