يذرف الوردُ دمعه العطري حين تغادرين. وينحني الصفصافُ حزناً في شتاءات انتظاركِ. وعلى ورقةٍ سيحفر شاعر الشوق أنّات جمرٍ يُعمي دخانها عيون الأزمنة، وتدمي ندوبها وجه المكان. لم يكن ذلك حباً، ولم يكن ما رأيناه بدعة الحسنِ في علوّ تجليه، وإنما كان طلوعكِ بيننا سبباً لندرك أننا لم نكن أحياء من قبلكِ، وأن الطفولة التي ارتفعنا في شرودها كانت مجرد خلوة لأحلامنا الصغيرة، وأن الجمال الذي قرأنا وصفهُ في كتب البدايات، إنما كان نثراً من رذاذ قدميك. يوماً، عندما انتبهنا لفكرة الضوء، ولاحقنا خيطه الفضي في ألف مسلك، وكانت كلها تقود خطانا إلى احتمال بزوغك من فجر شيء جديد اسمه الحنين. نعم، وأذكر أن الرجال تجمهروا في ترنيمة البحر وشحنوا الهواء بزفرةٍ كأنها أوّل حرفٍ في نداء الحياة. وتناهت إلى سمعي زغاريد حوريّات من وراء الموج، وارتفعت في الهواء أشرعة لا تبالي بالعاصفة. وكنت أنا مجرد خطوة على رمل الأمل، تمسحني الموجةُ وتعود ترسمني يد الأمنيات. وحين قيل في الإنشاد إن النور آتٍ، رأيتُ وجهكِ صبحاً يكنسُ العتمة الثقيلة، ويبث في مجرى الوقت نهر الولادات. وكان عليّ أن ألمس الماء لأدرك أن العذوبة نهرٌ يتغذى من ريقكِ، وكان علي أن أعانق الأشجار كي تقبلني الطبيعةُ فرداً في جمهورك العظيم. هكذا بدأ كل شيء. مشيتُ على مسلك الجمر مدركاً أن النهاية نحوكِ بيضاء. وقفزتُ في سراب المغامرة لعلّي أذوقُ من نبعكِ قطرة الخلود في اللحظة. ولم أكترث يوماً للنواهي حين سمعتها من فم الحمقى. وفي انبلاج كل فجرٍ، كنتُ أكسر قيد الحذر، رامياً كلمات الخوف على قائليها، وسائراً وحدي لأصعد جبل النهايات منتظراً قيامة الإشراق في الجهة التي منها تُقبلين. تعالي أيتها القصيدة. اذهب أيها النُكران. أدركُ اليوم أن الحياة تشبه امرأة اسمها الحرية. وأن الموت ليس سوى خلوّ الثواني من نفحِ أو نفسٍ جديد. وما عدا ذلك، تُصبحُ الأيام علفاً للاجترار ليس إلا. ويصير الكلامُ زبداً على فم الغارقين في التكرار. وأنتَ، أيها المسكون والساكنُ في السؤال، لن تلذّ لك الحقيقة إلا حين تُدمي قدميك وعورة الوصول إليها. فانظر إلى كل الأبواب المغلقة من حولك، وانظر إلى مفتاحك الوحيد في يديك، وسترى أنه تحوّل إلى قلم. Adel.Khouzam@alIttihad.ae