لا أحد في المدن والقرى الصحراوية يتذمر من المطر والريح المصحوبة بالبرد أو غزيرة الغيث، الصحراوي عاشق للمطر، بل يدعو ربه ليلاً ونهاراً أن يسقي الغيث ووابل الأمطار الغزيرة أرضه وأرض أحبابه، ورسالة العاشق الشاعر في هذه الصحراء سحابة هتّانة بالماء وفرحة بأن تجري السيول وتغمر كل ناحية وموطئ قدم الحبيب، المطر والمزن هما باقة الورد التي يتبادلها المحبون في المدن الحديثة، بينما في أزمنة الإنسان الصحراوي القديمة هي غيمة ومطر غزير وبرق يهل كل ليلة على ديار المحبوبة حتى تزهر الصحراء، وتعبر الوديان السيوح، ويعشب أرض البر. حتى في الأيام المرعدة والعاصفة غزيرة الأمطار نجد أن الإنسان الصحراوي لا ينزعج من ذلك، بل إنه يدون تلك الواقعة بقصيدة أو تغريدة، والكثير من شعراء الإمارات القدامى والمحدثين تغنّوا بالمطر والصحراء والبروق والرعود، مهما خلفت من آثار قد تكون مزعجة أو مدمرة للسدود أو جرف المزارع والمساكن وتخريب البيئة، ولكن الصحراوي لا يجد في ذلك مضرة أو إزعاجاً، بل إنه يردد على صوت الرعود والمطر والريح العبارة المشهورة في الإمارات (اللهم زيده وارحم عبيده)، سمعناها من الجدات والأمهات، والآن يسمعها الأبناء والأحفاد، إنها شعور الصحراوي بأهمية المطر والغيث الذي يسقي كل عود، والريح وأثرها في حياة الإمارات وأرضها، وذلك ما نراه حاضراً في الأمثلة القديمة وفي قصيدة الماجدي بن ظاهر التي قالها في قديم الزمان وسرد فيها حياة البيئة في الإمارات وأثر المطر والريح والحوادث الطبيعية، إنها تواريخ الصحاري في حكايات لا يسردها غير عالم بتحولات الحياة وتغيرها، تلك التي وثقها الماجدي بن ظاهر والقدامى من أهل الصحراء، بل إن ابن ظاهر زاد عليها الكثير من الحكمة والموعظة والوصايا الاجتماعية النافعة. اليوم عندما نشاهد اندفاع أعداد كبيرة من الناس إلى جبل جيس الذي غطته الثلوج هذا العام بهذه الصورة الجميلة والنادرة في بلد صحراوي، يرجعنا هذا إلى عطش الصحراوي إلى المطر، وحبه أن تغير الطبيعة من ثوبها المعتاد إلى شيء جديد وجميل، ولا يهم إن كانت الريح شديدة أو المطر غزيراً أو الثلوج والبرد قد يشكلان خطراً على الناس والسيارات، فهذه هي الروح العاشقة للطبيعة والمطر والتحول في مظهر البيئة من فترة الصيف والجفاف إلى فترة اخضرار الأرض والجبال والصحاري وتساقط المطر واكتساء السماء بالسحب والمزن المطرة. إنها أجمل فترة في الإمارات وزادها جمال هذا العام الثلوج التي ظهرت بصورة بديعة على قمة جبل جيس برأس الخيمة وكذلك مناظر المياه التي ملأت السدود والوديان العديدة في الإمارات ولعل أكثرها جمالاً أيضاً تلك المناظر الجميلة التي تظهر في سد حتا وما يظهر من روعة وجمال الطبيعة في الإمارات، مرحباً بالمطر والرياح الجالبة للغيث والسحب والفرح.