المشهد الثقافي في الإمارات، والزخم الهائل في النشاط الإبداعي، والحراك المؤسساتي باتجاه الإنتاج الفكري، حوَّل الإمارات من منطقة جاذبة للسلوك الحضاري الإنساني إلى شريك أساس في صناعة الفكر، وبثَّ موجات عالية الصوت، ونثَّ أمطاراً غزيرة، أبهجت سيولها الأرض حتى صار العشب الثقافي سنابل وعد، ومناهل عهد، وسواحل مهد. من يراقب هذا المشهد المبرد بأحلام الذين يستيقظون على تغاريد الطير، وأناشيد الموجة المجللة بالبياض، من يتابع كل ذلك، يجد نفسه أمام حفل بهيج، مزخرف بمصابيح الآمال العريضة، والأمنيات الكبيرة، المزدان بأحداق الذين يبصرون الواقع فيضعون البنان في خدمة البيان، ويكتبون على البنيان نقش أنشودة الخلود، خلود وطن عاشق للإبداع، وامتداد أشرعة مترعة بالطموح الذي لا يلين ولا يستكين، لأن الثقافة أصبحت ما بين غمضة جفن ولمضة شفه. الثقافة في المسعى، منطقة زاخرة بالنشاط الروحي، مزدهرة بالحيوية الفكرية، أي أن الثقافة أصبحت كالماء والهواء على حد سواء، تغذي الروح، وتنمي أعشاب القلب، وتسجل للتاريخ حلم شعب أراد الحياة فاتكأ على آرائك الثقافة، لكونها السند والمهد والنهد والعهد والوعد والحد الفاصل ما بين الحياة واللاحياة. الإمارات تسرج خيول الثقافة باتجاه مضارب ومناقب وسواكب ومناكب، وما القراءة التي سنتها القيادة الرشيدة إلا النهر والساقية، والحياة المتساقية من أتون وفنون وشجون ولحون. الإمارات تكحل العين بأثمد القراءة، وتخضب اليدين برائحة الحبر المبجل، وتخصب العقل بفكر مسفر، مقمر، يضيء كما يضاء، ويفتح النوافذ مشرعة لنسائم وحمائم، والأرواح لا تنتشي إلا بلقاء الأرواح، وها نحن اليوم في محيطنا الثقافي الإماراتي صرنا قارة تجمع جهات الكون، وتضم الأجناس والأجراس والأفراس، وتشِيع خبر التنوير بكل تفاصيله وفواصله السامية. الإمارات بهذا الوعي، وهذا النضج، تذهب بأجنة الكون نحو غايات الوعي الأكيد، والحلم المنبثق من أسطورة الصحراء وفضائها الفسيح. الإمارات تنتج الثقافة اليوم، كما تصدر أخلاق الحالمين بعالم واحد يؤمه الجمال وفضيلة النجباء، وخصال الأوفياء، وسجايا النبلاء. الإمارات كتاب صفحاته من حبر قلوب العاشقين، وكلماته من لهج الذين صنعوا من الأحلام أياماً، عقارب ساعتها من ذهب الأنقياء والأتقياء والأصفياء والحكماء، والذين يجعلون من دقات الساعة نبضات أفئدة، ومن نبضات الأفئدة وثبت جياد على الرمل النبيل، تلون مجد الثقافة، وتصوغ قلاد فكرها.