هناك جبهة شرسة مشاكسة ظالمة مظلمة، حانقة خانقة، قاتمة معتمة، عديمة عقيمة، مبهمة متفاقمة، تريد أن تحول أوطان الناس إلى طرائق قدد، وإلى نهر متبدد، وإلى فكر مرتد مستبد، وأغراضها كثيرة، وأهواؤها متعددة المخالب والأنياب، ومآربها لا تختلف عن أي كائن متوحش باطش، الأمر الذي يستدعي قراراً مبدئياً من جميع مثقفي المنطقة، بأن يلملموا شتاتهم وأن يجمعوا إرادتهم لتصب في خانة واحدة، وهي خانة المجابهة الثقافية ضد المغرضين والمتسولين والمتسللين والمتوسلين، والقائمين والجاهمين، والساخطين، والعابسين، والمكفهرين، والذين يضعون الأسود الدامس على عيونهم كي لا يروا إلا الظلام. قد يقول قائل ولماذا، كل هذا التعب، فلدينا اتحاد كتاب ولدينا جمعية صحفيين بإمكانهما أن يقوما بنفس الدور، أقول لا نشك في ذلك أبداً، فهاتان المؤسستان تعملان بكل ما تستطيعان من جهد، وتبذلان الممكن، ولكن المقصود في وحدة المثقفين، هو أن هذا الكيان يستطيع أن يشمل أكثر من دور ويتسع لأكثر من مجال وتخصص بشأن الأعضاء، فنحن بحاجة إلى باحثين، وأكاديميين، ومؤرخين وفلاسفة، وعلماء اجتماع ونفس ورجال دين، وفقهاء، هذا الفريق بإمكانه أن يشكل جبهة قوية مضادة، لكل من يؤول وكل من يطلق لخياله العنان ويتيه في براري الكذب والافتراء.. أقول ذلك، لأن المنطقة العربية برمتها مهددة من قبل أصحاب البهتان والطغيان، وإخوان الشيطان، المنطقة بحاجة إلى مؤسسة تبدأ مع النشء لتصل إلى مراحل سنية أكبر وأكبر، نحن بحاجة إلى هذه المؤسسة لأن سيول الكذب والخديعة أصبحت طاقمه بالصور الخيالية التي يمكن أن يقع فريسة لها كل من لا يجد من يحتويه، ويقدم له الحقيقة كما هي، لا كما يهواها عشاق الوهم، نحن بحاجة إلى وحدة وتكاتف حقيقي بين مثقفي بلداننا لأنهم إن وحدوا كلمتهم سوف يعلو بهم الجدران، وتتحصن الأوطان، ويهزم الظلم والطغيان، ويعيش الناس في أمن واطمئنان، لأن المسألة متعلقة بالفكر، هذا الفكر الذي غشاه الكثير من اللغط والغلط والشطط، وأصبح فريسة للأنياب الصفراء، تتناهشه من كل صوب وحدب، ويجب ألا نستهين بهذه القوة الغاشمة، وألا نعتمد على المواجهة بالسباب والشتائم، بل نحن بحاجة إلى إضاءات فكرية وإلى أشواق حقيقية نحو الاستنارة، وإشراقة الشمس، نحن بحاجة إلى قمر نهضوي يضيء سماء العرب، بعد عقود من الزمن، نحن نرزح تحت وطأة من نصبوا أنفسهم أوصياء على الفكر الإنساني واعتبروا ما يقولونه لا تشوبه شائبة، ما جعل الحقيقية تتسرب من بين أيدي الكثيرين، وسقوف الفكر تخر على رؤوس الناس البسطاء.. والأوفياء من هذا الوطن العربي الكبير كثر، فقط يحتاجون إلى من يؤلف بينهم، ويضع أصواتهم في بوتقة الحلم الإنساني الجميل.