يا زارع الصبر، لن تجني يداك سوى الدوائر تلو الدوائر، ولن ينبت في بستان عينيك إلا السراب. ها هي المراكبُ غادرت تشقُّ غمام الأيام وتهتدي لمستقرها في المراسي البعيدة، وها هي الأقدامُ فكّت سلاسلها ومشى أصحابها في صعود النسيم. وأنت لا تزال هنا، متكور في التكرار. على لسانك شهوةُ النطقِ، ولكنك في خرس. وفي يدك المفاتيح لكنك لا ترى الأبواب، ولم تتجرأ يوماً لمد عنقك خوفاً من نزول السيف. قم للحياة وبجّل جلّ ما فيها. راكضاً وراء الفراشات حتى لو تمزقت قمصانك. وسابحاً تسابق الموجة، تدكّ غرورها وتصل الى مراميك. والخوف الذي نثره المبغضون شوكاً في طريق ابتهاجك، حتى لو أدماك للحظة، فإن جراحه تندملُ مع طلة الصبح الجديد. كيف ستدرك معنى النهايات وأنت بعدُ لم تبدأ. مرّ الذاهبون الى حافة العشق، ورأيناهم يقفزون تباعاً الى الهلاك الجميل. ومن أقاصي الرماد، نفض الأطفالُ غبار أحزانهم وركضوا باتجاه الشمس غير مكترثين لو حلّ الغروب قبل الأوان. لأن ما يهم ليس الوصول، ولكنه المسعى في دروب اللانهاية. والفرقُ بين الذي يجلسُ على صخرة الندم منحنياً في نشيد الآهات، وبين الذي يجلس في مقدمة السفن الراحلة. أن الزمن يأكل هذا ويذره للنسيان، لكنه يرفع ذاك إلى مرتبة الذهول. وسوف يأتي الشعراء يوماً ويمجدوا سيرة الرجال الذين هدموا الجدار وأسسوا للحرية درباً في العقول وفي القلوب. وسوف تأتي امرأةٌ من هشيم الأمنيات وتبني بالكلمات قصراً لا تضاهيه الخرافة، وتناديك لتستقر في تاج أحلامها فصاً ورمزاً لمن هزموا الضعف وسيجوه بالجلادة، ثم قاموا يرفعون المجد جبلا بعد جبل. الزمان حصانٌ هائجٌ في الريح، لكنك إن طويت ثوانيه وأيامه وقبضت على لجامه بيد الشدّة، ستراه يلين. والساعات التي كانت تربة لمعاني الضجر، ستراها تورق كلما خطّت يداك على ورق الصبر معنى جديداً، وكلما ذهبتَ لتسقي من دم العزم البراعم التي ستتفتح في طالع الفجر القريب. بالكلمة المغايرة ستشق بحراً ينجو الغارقون فيه، وبالسيف ستوقظ شعلة العدالة ليرى بصيصها النائون في يأس السنين. أيها المولود في كل لحظة، أيها الفم الذي سيظل ناياً وسط ضجيج الخائفين. شربنا انتظارك، ودربنا عيوننا على محبة النور، ورأيناك في قلوبنا قبساً في احتمال العيد. فهيّا اقترب.