هل حقاً يمكن لكل الناس أن يكونوا قراء للكتب لو أرادوا؟ خطر في بالي هذا التساؤل ونحن نتحدث عن وسائل وسبل وأدوات تشجيع القراءة. ننظر دائماً للشخص الذي لا يقرأ بأنه لا يهتم بالكتاب بسبب لا مبالاته أو انشغالاته، ويترك هذا الاتهام لدى البعض إحساساً بالتقصير، ولأجل تعويض النقص يحاولون اللحاق بركب القراء، ولكن سرعان ما يتركون الكتاب في عود أبدي لسيرتهم الأولى. قال أحد المحاضرين المشاركين في ندوات معرض الكتاب؛ ليس بالضرورة أن يكون الجميع مهيئاً للقراءة حقاً؛ بعض الأشخاص لن يقرأوا مهما توافرت لهم السبل، لأنهم لم يُخلقوا لذلك. وجدتني أتساءل: هل حقاً هناك أناس لا تسمح تركيبتهم النفسية والذهنية لأن يكونوا قراء؟ هل خلق الله الناس على صنفين؛ صنف مهيأ لأن يقرأ، وصنف بطبيعة خلقه لا يمكن أن يقرأ دون أن ينقص ذلك منه شيء؟ هل الصنف الثاني وُجد بصيغة ممتازة بالفطرة؟ هل احتاج الصنف الأول للقراءة وللكثير من المعارف كي يلحق به ويوازيه في المعرفة التي اكتسبها الثاني فطرياً؟ تبدو نظرية محتملة، ولكن لا أميل شخصياً لتبنيها. أجدها فقط تبريراً لمن لا «يريد» أن يقرأ ولا «يريد» أن يشعر بالذنب إزاء ذلك. الكتب صنيعة الإنسان بوحي من الله؛ وما يصنعه الإنسان لا يستعصي عليه، إنها فقط وتيرة الحياة العصرية التي جعلت الحصول على المعلومة على بعد ضغطة زر وجعلت ملخصات الكتب التي تجتاح المواقع الإلكترونية توحي بأنها تُغني عن الكتب. هذه الجرعات المعرفية الجاهزة المختصرة مثل علب الطعام الجاهز، أصبحت تُشعر الكثيرين بالاكتفاء، فلا داعي للدخول إلى مطبخ القراءة، حيث الكتاب يفتح الكهوف والمغارات والمغاليق وأدراج التاريخ والمستقبل والمجهول والغامض والمسكون.. كل تلك الأدراج والأبواب والكهوف والمغارات تحتاج إدراكاً بحجم كوكب كي يستوعبها. والعقل العصري يحب التحديد؛ الأشياء المحددة ذات البداية المباشرة والنهاية السريعة فلا وقت لديه؛ عليه الانتباه للأشياء؛ للحقيبة، لجهاز اللابتوب، للرسائل الإلكترونية للمواقع الاجتماعية، لأمور العيال، لطلبات السوق، للياقة المكوية بعناية، لزجاجة العطر، لمفتاح السيارة، للحذاء اللامع، لوجه المدير في العمل، لأقنعة النهار وأقنعة الليل؛ في خضم كل ذلك من يهتم للكتاب؟! حسناً، في الواقع الكتاب لديه عزة نفس؛ هو أيضاً لا يريدك كما لا تريده؛ لذلك يستعصي عليك لو أتيته في مرة مرغماً. الكتاب يفتح مغاليقه للمتبتلين في محراب الهدف والجوهر، والمتخلصين من زوائد «الأشياء»، المهتمين بالبحث الحثيث الدائم عن سماء صافية في أوراق الكتب. الكتاب؛ مثل السماء؛ يفتح أبوابه لمن يؤمن به فقط.