لا أحد يختلف على حجم ومستوى الحراك الذي فرضه دخول وسائط وأدوات التواصل الاجتماعي على المشهد الإعلامي والثقافي إجمالًا، وحجم التحدي المرتبط بها، مما جعل كل الأطراف في سباق دائم، ومتابعة مفتوحة. وجنحت شرائح من مستخدمي هذه الأدوات الجديدة عن رسالتها والهدف منها، لتركز باتجاه صناعة فقاقيع تنشغل بها وتشغل غيرهم بها. وما يميز هذا الفضاء الواسع والمفتوح أنه بلا رقيب أو حسيب يستطيع الكل أن يدلو بدلوه فيه، ومنهم لا يكتفي بذلك، بل ينصب نفسه موجهاً وقيماً ووصياً على الآخرين. كانت مناسبة معرض أبوظبي الدولي للكتاب مؤخراً فرصة لظهور هواة الفقاقيع، واحتراف الدفع بهذا الاتجاه، أو ذاك، وتناسوا أن المجتمع اليوم في الإمارات، يختلف كلياً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، في مجتمع شاب يتميز بالوعي والتنوع الثقافي، والنضج الفكري الذي يرفض الوصاية من دون تفريط بالقيم والثوابت الوطنية. خلال فعاليات المعرض، الذي تمنى الجميع أن تمتد أيامه أسبوعاً آخر، وما كان يطرح فيه، كنت تسمع تصنيفات لا أول لها ولا آخر، وتابعنا جميعاً الضجة التي صاحبت إحدى المطبوعات التي لا ترقى لمرتبة الكتاب، تحت ستار «جرأة» الكاتب، وهو تعبير مهذب لما اعتبره الفريق المعارض «تجاوز الكاتب» لما اعتبروه خرقاً للقيم ونيلاً من صورة المرأة في هذا المجتمع. وتناسوا أنه كغيره من المجتمعات فيه من أطياف وطبائع البشر. وفي الجانب المقابل، اعتبر آخرون الأمر تجاوز كل الحدود، والسكوت عنه حجر على الفكر والإبداع من قبل بعض العموم بعيداً عن الأطر والنوافذ والمنصات التي تعنى بالنقد، مع تفشي نظرة للأمور على طريقة «الباب لي يجي منه الريح سده واستريح»، وهي نظرة وممارسة لم تعد تجدي في عالم اليوم، والأبواب المشرعة على كل الأفكار والتيارات التي تتطلب مقارعة بالمنطق والنقاش والحوار. ونحن في رحاب عام القراءة، وما يواكب المبادرة السامية من فعاليات تُعنى في المقام الأول بأعمال العقل والفكر، يظل الهدف الأسمى بناء أجيال واعية مثقفة متسلحة بالعلم والمعرفة، وفي الوقت ذاته تحصن المجتمع ومن فيه من مروجي القناعات المنحرفة والضالة التي تهدف إلى تقويض أمنه واستقراره، وعلى مسار آخر قيمه ومكوناته، وفي المقدمة من ذلك الترابط الأسري، والأسرة حائط الصد الأول لبناء الأجيال وحماية النشء.