في معرض الكتاب، قراء صغار يجوبون الساحة الكبرى المكتظة بالناس والكتب، يبحثون عن خير جليس، يسألون عن عناوين، يسألون عن الحكايات والروايات، يسألون عن أسماء شغلت بالَهم، ونحن في زمن القراءة، زمن الوعي المتجدد، وعصر التنوير الحقيقي، نشعر بالفخر عندما يسأل طفل عن كتاب وعندما يقف صغير أمام دار نشر ويبدأ في تصفح الكتب ليختار ما يريد، هذه السهبة الثقافية تضيء للمستقبل طريقاً وتفتح للجيل الصغير نافذة واسعة يطلون من خلالها على أشجار وارفة على أغصانها تغرد عصافير وفي عيونها تشرق شمس الصباح. في نهارات المعرض، كانت الأضواء كاشفة والهواء المبرد بأنفاس فلذات أشرقوا بوجوه أنصع من مصابيح السقف المرفوع، كان كل شيء يزدهر بالفرح، كان المقام قويما، والسرد الصباحي لا يسفر إلا عن وضوح الرؤية عندما أعلنت القيادة الرشيدة عن عام 2016، عاماً للقراءة. فعلاً إنه عام قراءة، وعام تلاوة أشعة النهار، وترتيل آيات الليل، مصفوفة بين دفات الكتب، الكتاب الذي نقرأه، هو الكتاب الذي يختاره لنا الصغار، لأنهم بعفوية الفطرة، يشيرون ببنان غض طري، كيف نقرأ وماذا نقرأ، ولماذا نقرأ.. أسئلة نقرأ على وجوه الصغار، هؤلاء الذين جاؤوا من مدينة البراءة ليدخلوا عالم الكبار، عالمنا نحن الذي تداخلت فيه روافد الأنهار والوديان، فأصبحت المياه مشبعة بالضحالة.. ولأننا في عام القراءة، نريد أن نقرأ، نريد أن نصفي المياه في داخلنا كما قال طاليس «إذا كانت كل الأشياء جاءت من الماء، فلنصفي الماء»، ففي القراءة تنقية من شوائب وخرائب وعواقب ومثالب، وفي القراءة يصبح الواقع مزروعاً بأحلام الصغار ولاشيء أجمل من أحلام الصغار التي تأتي كما تأتي المياه من جداول تشققت من بطون الجبال موائل لها.. لا شيء أحلى من عيون الصغار وهي تحدث في الصفحات كأنها اليرقات الطالعة من بطون القدر. هذه هي الفرحة الحقيقية، عندما تنمو البراعم على كفوف الأمل، وعندما تشتد الأعواد والأنهار تسقي العروق، لتمنحها الطراوة والنداوة، ونشوة الحياة.. أطفالنا هم غدنا وعندما تتفتح أذهانهم على القراءة، يزهر الوطن ويزدهر بألوان الورد وأثماد الرمان، ورائحة الزعفران. عندما يصحو الأطفال على كتاب قيم، يبين وجه القمر من دون غشاوة، فتقشب الأرض بالتطور والرقي، ويصبح الناس في حضرة خير جليس، كقوافل النحل، متراصين مبدعين، منتجين، يحملون مسؤولية الوطن على عواتقهم وهم في أتم العافية. عندما يقرأ الصغار، تكتب النجوم تاريخ الوطن بحبر من نور.