غرفة واسعة على الطراز القديم، تحتل مساحة جدارها المقابل مكتبة كبيرة. على الجدران الأخرى رفوف تصطف عليها الكتب بغير انتظام. طاولة ومقعد قرب النافذة التي تغطيها ستارة نصف مفتوحة. من الخلف يبدو فراغ صحراوي وبيوت متناثرة على بعد. الوقت مساء. الغرفة يغمرها ضوء الأصيل. في الزاوية مقعد كبير عتيق تجلس عليه فتاة في العقد الثاني من العمر.. ساهمة ترنو إلى الكتب بكثير من الذهول والمرارة. تقف فجأة. تسير نحو المكتبة. تلتقط كتاباً، تتصفحه، تلقيه. تلتقط آخر وتلقيه. تلتقط دفتراً صغيراً ملقى على الطاولة تتصفحه، تقرأ عبارة: (إن ما تلتذ به روحي وتتعذب به يتعالى عن الإيضاح، ويجلُّ عن أن يسمى. وهذا العجز عن إدراكي له يخلق المجاعة في أحشائي) «فردريك نيتشه». تلقي بالدفتر من النافذة. تتكلم بذهول: الفتاة: صحراء.جدب.شيء لا أستطيع إدراكه. نعم المجاعة في أحشائي، تمزقني. تدور فجأة في ألم وتضرب الطاولة بقبضتها. تصرخ: المجاعة وشيء لا أدريه. ماذا أفعل؟ كل شيء باهت، مسمم، قاتل، كل شيء. هذه الكتب، هذه الغرفة وخارج هذه الغرفة.. تشبك أصابعها خلف رأسها. تدور في الغرفة.. تخاطب نفسها: ماذا أفعل.. ماذا أفعل؟ صوت: اقرئي. الفتاة: سئمتُ. الصوت: جربي الكتابة. الفتاة: عبث.. عبث.. كل شيء عبث.. أن أقرأ.. أن أكتب.. أن أصمت..أن أصرخ.. عبث. لا شيء يتغير. الأمس، اليوم، الغد. كل شيء باهت ومقرف ومسمم. كل شيء يدعوني إلى الغثيان. الأمس كان شاحباً مريضاً.. واليوم استمرار للأمس.. والغد شيء لا أدريه. لا أتصوره. أشعر بالمرض وجسدي سليم بالمعنى الطبي. أطفح كآبة وسأماً من كل شيء. كل شيء يوحي بالفوضى والجمود والقرف. كل شيء يوحي بالرحيل إلى لا مكان. الصوت يعاود الظهور: اقرئي.. اقرئي.. أنت تشعرين بالفراغ، لأنك لا تفعلين شيئاً.. ليس لديك رغبة في فعل شيء.. إذن تناولي كتاباً واقرئي..لا تسألي نفسك ماذا أقرأ.. اقرئي أي كتاب في أية معرفة علمية أو فلسفية أو أدبية، سوف تشعرين بالامتلاء والبهجة.. سوف تنزاح الكآبة والضجر وتستيقظ في روحك وعقلك شهوة الإبداع. وتذكري دائماً أن القراءة مفتاح العقل ويقظة نشاطه لتغيير ما بداخلك وما حولك! وأن القراءة هي التي حولت هذا الكائن البشري من بدائيته إلى هذا الرقي الحضاري!.