لا أشهى من امرأة تقرأ ولا أشد جاذبية من رجل يقرأ. عندما يفعلان ذلك بنهم واضح، لا أجد ما هو أكثر استحقاقاً لإثارة الفضول من حالة كهذه. عندما أرى قارئاً شارداً بعيداً عما حوله، تتملكني رغبة كلها شغف بمعرفة ماذا يقرأ، وما الذي يجعله يغرق في سماوات ما بين يديه.. ويحلق بعيداً عن محيطه! هؤلاء القراء مختلفون لا يشبهون غيرهم، حساسون، مدركون لكل التفاصيل؛ حواسهم تعمل باستمرار وبشكل فوضوي تكاد أن تخلق بسبب تشابكها حواس جديدة. هذا ما يجب أن تفعله القراءة بالناس، هذا ما يجب أن يحدث. وفي رأيي أن ذلك تماماً المجرى الطبيعي الناتج عن القراءة؛ وإنْ لم يكن، فهذا يعني أن ما كان ليس فعل قراءة. القراءة فعل لا يضاهيه فعل آخر أكثر تأثيراً على روح وقلب ووجدان الإنسان، يرقى من لغته، ويحلق بأفكاره ويعلو من شأنه مع نفسه، فيزيد تقديره لما منحه الله له، وتزداد حساسيته تجاه الله ومخلوقاته. عندما نقرأ، فإننا نتعامل مع شيء أساسي وخاص جداً، شيء لا علاقة له بحالة المظهرة والتمظهر المتعلقة برؤية الآخر لنا. عندما نقرأ، فإنما نلمس جوهرنا، هناك في ذلك المكان الخاص، حيث لا يعرف أحد ولا يرى أحد؛ أشياء تجعلنا نحلق عالياً بأرواح لا يلحقها الآخرون، لكنها بكل تأكيد أشياء تجعلنا أكثر جمالاً واشتهاء. ولهذا يلقى هذا الفعل وأقصد به القراءة حالة جذب للكثير من الناس الذين لا يمارسونه، يحومون حوله وحول ضوئه بعمد ومن دون عمد، يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مكاناً، ولكنهم وللأسف أثناء ذلك يفسدون حالة السحر التي تحيط به. ففي الحياة هناك أشياء لا يصح اقترانها لإمكانية فسادها؛ بمعنى لا يليق أن يجري حدوثها في الوقت ذاته مع بعضها بعضاً، وإنْ حدث ذلك فهو دلالة على اختلال واضح استحق الإشارة والدراسة. وهذا ما يحدث للأسف مع القراءة والكتاب وحولهما.