تشكلت البدايات من القراءة، خرج البشر من الظلام إلى النور عبر القراءة؛ القراءة تلك الجوهرة التي تزين صدور الحضارات والعالم.. جوهرة الشعراء والكتاب، البحاثة والروائيين والقصاصين، الحكماء والفلاسفة والرسامين والحكائين. عبر القراءة تحركت جينات البشر ونبضت أعصاب الدماغ، بلغ البشر إلى إنسانيتهم من خلال قراءة أمنا الطبيعة بكل تفاصيلها إلى قراءة الطلاسم والنقوش البدائية وتشكل الحروف وازدهار المعرفة. القراءة هي من أدركها أسلافنا واعتلوا، فيما ضيعها أحفادهم فتراجعوا.. القراءة قادت الشعوب إلى التحضر والرقي في السلوك والأفكار، وهي التي رعتها الدول، وأسست من أجلها منظومة متكاملة لتترسخ في سلوك شعوبها. وهنا في دولة الإمارات الحديثة، لم يغب العمل من أجل ترسيخ فعل القراءة عن القيادة، حيث في زمن البدايات لعبت المكتبات في المدارس دوراً كبيراً في ترسيخ عادة القراءة لدى الكثير من طلبة وطالبات السبعينيات.. وبدورها، لعبت معارض الكتب دوراً كبيراً في هذا الشأن، ومع مطلع هذا العام خصصت الحكومة عام 2016 عاماً للقراءة. لكن على الرغم من أنه لا توجد أرقام أو نسب مؤكدة حول معدلات القراءة، إلا أن جميع المؤشرات الأخرى تشير إلى تدني معدلات القراءة، وهو ما دعا إلى تخصيص عام القراءة أيماناً بدور القراءة في تنمية المجتمعات، وأنها من أول الحلول لمواجهة الظلام والتطرف، ومع الأشهر الماضية رأينا وسمعنا العشرات من المبادرات لدعم واقع القراءة في المجتمع؛ ولكن من هنا يطرأ سؤال هو: هل سنقف عند هذا العام في دعم مشروع إشاعة القراءة في المجتمع لتكون سلوكاً طبيعياً عند الأفراد، وتكون كل هذه المبادرات في هذا العام مجرد ضجيج إعلامي و«كلاشيهات» تتوارى مع تواري إعلان عام القراءة؟ الجواب هو لا، وهذا ما عبر عنه الإعلان الأخير حول الاستراتيجية الجديدة للدولة لتكريس فعل القراءة. فالارتكاز على عام لكي تشيع القراءة في المجتمع هو أمر غير كافٍ، وللوصول إلى هدف جعل القراءة سلوكاً طبيعياً في المجتمع فإننا بحاحة فعلاً - حسب الاستراتيجية الجديدة - إلى تأسيس جيلٍ جديدٍ قارئ، جيل يرتبط بالكتاب بشكلٍ يومي، سواء كان ورقياً أو إلكترونياً، عبر خطة طويلة الأمد تمتد - في أقل تقدير- على مدار ثلاثة عشر عاماً، تبدأ من نقطة الصفر، من هناك، من السنة الدراسية الأولى عبر إدخال مادة تحت اسم القراءة في المنهاج الدارسي، يتم التعاطي معها كمادة توفر لها الظروف النفسية والفنية لغرسها بحب في سلوك الطلبة، وتتابع باهتمام صادق عبر قياسات ومؤشرات الإنجاز الإيجابية والسلبية، مع إقحام الأسرة في هذا الدور، للوصول بعد عشرين عاماً على الأقل إلى أن تكون فيه القراءة سلوكاً طبيعياً للإنسان هنا.