لا عجب أن يذرف الدمع الموج المتدفق دائماً على شواطئ عجمان، ولا غرابة أن تحلق النوارس إلى قبة السماء لوداع الأروع والأجمل والأهم، وليس خافياً هبوب الرياح حاملة ومغادرة، كان موعداً موثوقاً لم يتم، وكانت ريشة القلم للتو تطرح فكرها، حلمها ورحيق الكلمات، قالت راحلة إلى الشمس، ولا نعرف أنها مرتحلة مع صاحبها النوارة التي طرحت أزهارها على ورق الكتابة أعواماً طويلة، صادقة واعية ومدركة للحياة وقبولها، كانت الكلمة الصادقة، الصدوق فيما خطة القلم، وكانت الرؤى والرؤيا الواعية والمدركة والحالمة بالحياة والجمال وعزة الناس والوطن، راحل أيها الجميل الحبيب ناصر جبران ودموعنا راحلة معك. هل كانت مصادفة أو وصية أو همسة القلب إلى القلب، قبل رحيل النورس الجميل، رحيل من أوجع الأحباب والأصدقاء ومن عرف ناصر جبران الوديع الوفي الصادق في قوله وعمله وفكره، نعم قطع حديثي معك مشاغلة طفل صغير، قلت لك لنترك للطفل الوقت. ولك أن تتحدث معه، تلهو معه، وليكن بعد غدٍ موعد اللقاء. لم يصل الغد وسبقه رحيلك المستعجل، وتركت كل شيء معلقاً، علمت فيما بعد أن ذلك الطفل هو حفيدك ناصر، هل كانت لحظات استماع من الطفل ومنك إلى آخر الكلمات، آخر الوصية، آخر الذكرى، أيها الجميل الراحل، عرفت الكثير، وكذلك أنت عرفت العديد من الناس من البشر، ما أكثر المتغيرات والمتغيرين في مسيرة الحياة والكتابة والقراءة والثقافة، سقطوا، تناثروا، زمروا وتبعوا درب الجمال والقوافل، وضعوا أنفسهم في القوالب وصفقوا كثيراً، بحثاً عن موقع أو مكان أو بشت يقدمهم في حفلات الأعراس!! أبو جبران، الراحل بصفاء السريرة والقلب وجمال الروح وجمال الكلمة، ستظل أعمالك الجميلة الواعية، ورؤياك مثل سيح المهب تأتي لتوقظ الذاكرة كلما أرختها الأيام، وبالتأكيد سندعو أن تمضي الخيول في طريقها ومسارها وهدفها. لن يعوض أحد مكانة وحضور ناصر جبران أبداً، على الأقل بالنسبة لي كصديق أمضى عمراً طويلاً معه، عرفته على عديد الظروف التي مرت بنا وتقلبات الأيام في منطقة الخليج العربي، والتغيرات التي أصابت الحياة والناس والأمكنة، تباعدت الأمكنة، صعبت وسائل النقل والتواصل، كبرت المدن، ضاقت الشوارع، ازدحمت الطرقات، حجبت روح الالتقاء بين العديد من الناس والأصدقاء، ضعفت أدوات التواصل بل انقطعت عند البعض، وحده ناصر جبران لم تحجبه عني أو يمنعني ازدحام طرق دبي من أن يكون التواصل ممتداً ودائماً، متباعدة مساكننا ومدننا ولكننا قريبون جداً، دائمو التواصل، إنها روح الراحل الجميل دائماً تشرق مع كل صباح.