الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرصة أخيرة لإنقاذ لبنان

20 نوفمبر 2017 20:37
كانت طبيعية ومتوقّعة وضرورية هذه الأزمة اللبنانية. وفي ضوء وقائع سابقة فإن ما يشهده لبنان غالباً ما يكون مؤشّراً إقليمياً. وكانت الصراعات الماضية إمّا عربية- عربية، أو عربية- إسرائيلية، أما اليوم فهي عربية- إيرانية، وكلّها ينعكس على الساحة اللبنانية المتخمة بتناقضات طائفية قابلة للاستخدام والتفجير. ولكن في كلّ مرة كانت الدولة نفسها تضعف وتشارف السقوط، فتارةً يعطّلها شلل الجيش، وتارةً أخرى انقسامه، وطوراً ينحّيها استقواء الميليشيات. وفي كل مرّة كان التدخّل الخارجي الذي يساهم في ضربها واستضعافها العامل الرئيسي في إعادتها إلى الوجود، ولكن من دون أن يهتمّ الخارج أو يتمكّن الداخل من معالجة عوامل الخلل للحؤول دون تجدّد الانهيار وتكراره. الحرب الأهلية- الإقليمية الأخيرة، من 1975 إلى 1989، انتهت من غير أن تنتهي، ذاك أنها بدأت صراعاً حول الوجود الفلسطيني المسلح الذي تحوّل دولةً داخل الدولة، وتخلّلها اجتياح إسرائيلي بلغ العاصمة بيروت لاقتلاع البنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية والضغط لانتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، ولكنه ما لبث أن اغتيل بتفجير من تدبير حزب مرتبط بالنظام السوري. وسط دخان هذا الاجتياح الإسرائيلي (1982) الذي أصبح احتلالاً لأجزاء من البلاد ولدت مقاومة لهذا الاحتلال من ميليشيات أحزاب ولاؤها للنظام السوري، وظهر في إطارها للمرّة الأولى حزبٌ ولاؤه لإيران هو «حزب الله» الذي خاض مواجهات عدة مع الأجهزة السورية التي سعت إلى إخضاعه واحتوائه، ولم تستقرّ أوضاعه إلا باتفاق النظامين السوري والإيراني على تحديد دوره، فالتمويل والتسليح والتدريب لطهران عبر سوريا، والإمرة السياسية وتنسيق العمليات العسكرية لدمشق بمعرفة إيران. وبعدما كانت مقاومة الاحتلال «لبنانية» متعدّدة الانتماءات الطائفية والسياسية المحلية جرت تباعاً تصفية خلاياها لتصبح شيعية وحكراً على «حزب الله» من دون سواه. وفي عام 2000 انسحب الإسرائيليون من جنوب لبنان ليتحوّل هذا «الحزب» معضلةً داخلية وتتحوّل مهمته من مقاومة الاحتلال إلى أداة في صراع سوريا وإيران ضد إسرائيل عبر لبنان. بدت هذه الصيغة مناسبة حتى للولايات المتحدة وسائر القوى الدولية التي فضّلت مواجهات محدودة «بالوكالة» في لبنان على حرب مباشرة سورية- إسرائيلية. ولكن تبين أنها صيغة كارثية على كل صعيد بالنسبة إلى لبنان: فبعدما نفّذ هذا «الحزب» أمراً إيرانياً- سورياً باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري مخلاً بميثاق التعايش والوفاق الوطنيين، ما لبث أن تولّى كل وظائف «الوصاية السورية» على إثر اضطرار الجيش السوري للانسحاب من لبنان عملاً بالقرار الدولي 1559 الصادر عام 2004. وبعد حرب 2006 التي اعتُبرت إيرانية (سورية)- إسرائيلية، بدأ «الحزب» يسعى إلى تعديل النظام اللبناني مفتعلاً أزمة داخلية أنهاها باحتلال بيروت لينال تنازلات سياسية، وإذ حصل عليها في 2008 بات مع حلفائه مسيطراً على الدولة وقرارها، وبذلك اعتبرت إيران أن عاصمة عربية ثانية سقطت في يدها، بعد بغداد، لتليها دمشق ثم صنعاء. لا شك أن استشراء الفوضى منذ 2011 أتاح لطهران و«حزب الله» أدواراً جديدة في إطار «المشروع الإيراني»، وتراجعت إسرائيل في أولوياتهما لمصلحة الإمعان في تخريب الدول العربية كما في مذهبة الصراعات بين فئاتها. وبموجب تكليف «جهادي» إيراني قاتل «الحزب» في سوريا والعراق، وأرسل «خبراءه» لمساعدة الحوثيين في اليمن، وأشرف على تدريب خليجيين في معسكرات لبنانية، وأصبحت أيديه ملطّخةً بدماء عرب كثيرين. وإذ بات هذا «الحزب» مصنّفاً إرهابياً فإن الدقة تقتضي تصنيفه وبالتالي إدانته بجرائم «فوق إرهابية»، بالنظر إلى أنه جماعة إرهابية في خدمة دولة هي إيران تمارس إرهاب الدولة كسياسة حكومية رسمية ينفّذها «الحرس الثوري». وهذا نموذج إسرائيلي استنسخته إيران وعدّلته ليتناسب مع تفكيك الدول والجيوش واختراق المجتمعات وهندسة التغيير الديموغرافي. في لبنان تحديداً خطا «حزب الله» خطوات متقدمة نحو إدارة الدولة بمشاركة حليفه الرئيس ميشال عون، على رغم ما في ذلك من تجاهل للصيغة اللبنانية. هذا ما رمت استقالة رئيس الحكومة إلى استباقه، فالإخلال بالتوازن الداخلي وهيمنة طائفة بعينها وتهميش الجيش بتفريخ الميليشيات ودفع الدولة إلى المحور الإيراني... كلّها عوامل تفجير لحرب أهلية جديدة يرفضها ثلثا الشعب اللبناني ما لم يكن هناك تدخّل دولي وإقليمي لوضع حدٍّ لهذا التهوّر الإيراني. وإذ كانت السعودية ضمنت بحذر «التسوية» التي أنقذت الدولة من الانهيار، فإن مراقبة أداء الحكم اللبناني لمدة عام كانت كافية لاستقالة سعد الحريري، وبالتالي لسحب ذلك الضمان. * محلل سياسي- لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©