عندما تصبح الثقافة نهراً، روافده أناس أحبوا العذوبة، ناهلين من النبع القويم ذاهبين بالمعنى والدلالة نحو غايات العمل الوطني، آخذين من الإرث القديم شموخه ورسوخه. عندما تصبح الثقافة عين الصقر تطرح الأسئلة للوجود من أجل أن يستمر الصفاء وينثر الحب عبيره، وتتفرع أغصان الوفاء مظللة المكان والزمان ويحلق الطير نشوان بفضاء لا تعكره غيوم ولا تكدره سقوم. عندما يصبح العالم أجنحة ومفردات الكلمة الندى يكون الوجود بستاناً وروده أرواح الناس المخلصين وعطره بوح القابضين على جمرة الحقيقة. الثقافة للجميع، والحلم بسعة المحيط، والكلمة موجة ناصعة والحكاية أننا نستدعي الحياة رغم ما يحيط بها من عصف ونسف لأنه ما من تاريخ إلا وتشوبه الشذرات، ولكن العشاق وحدهم الذين يحولون الأحلام إلى واقع تزدهر أوراقه بخضرة الكلمات الواعية والعبارة الخارجة من مخدع السكون إلى فناء اليقظة. الثقافة للجميع مثل الهواء والماء، مثل بلاغة السماء، مثل نبوغ الغيمة وهي تضع القطرات على أكمام الزهر وتوزع العذوبة بين أعطاف النخلة الوارفة بالظل. الثقافة للجميع، هي تضاريس الأفئدة التي اتسعت وتوسعت وبسطت رملها الذهبي على البقاع، كي تنمو أشجار الفرح في كل مناطق الحياة، ويبني عشه الطير، عند أعالي الغصون، وتزدهر الأوراق بالرفرفة وتزدان القمم بالعيون الصافية، هكذا هي الإمارات اليوم تلبس السندس والإستبرق وتسابق الزمن لأجل أن تكون شجرة الثقافة هي الأطول قامة والأرفع سمعة والأجمل وجهاً والأنقى نبعاً والأكثر عذوبة والأزهى لوناً. هكذا تبدو الإمارات اليوم باقة ورد في منازل الثقافة تعطر زمان الناس وتنثر بخور العزة في ثياب المكان لأن كل من في الإمارات يؤمنون أن الثقافة هي المحيط الذي ينقل مراكب المحبين إلى مناطق القصيدة العصماء، وهي التي تكتب رواية الإنسان من المهد إلى اللحد. هكذا هي الإمارات تبدو اليوم عاشقة تتلو ملامح الوجه الثقافي وترتل أحلامه وتمضي في القراءة إلى حيث تكمن علامات الاستفهام وينشط الوجود في سرد حكايات البدء وما جاش في خاطر الفلسفة من رؤية في المعرفة، ومن نوازع الوعي عندما تكون الثقافة هي الطاقة واللباقة وأناقة المثقفين وقدرتهم على صناعة الحب، وفتل جدائل السعادة، في قلوب الناس وكتابة الحلم الجميل على صفحات لا تغشيها الخربشة. هكذا هي الإمارات، تبدو عصفاً ذهنياً يدخل في أحشاء التاريخ وعداً وعهداً، هكذا هي الإمارات، تنمو في الوجود، سحابة ممطرة تنث وتبث وتحث وتجتث الرواسب والغرائب والخرائب ليصبح الكون ناصعاً مثل عين امرأة عاشقة.