في معرض الشارقة، تبدو الكتب المعروضة مثل طيور حطت رحالها عند ضفة نهر، هنا تجول أنت وتحدق في الوجوه، الصغار يسبقون الكبار، والكبار عالقون في العناوين التي بدت مثل نباتات ربيعية أزهرت للتو. المكان موشح بأضواء تشبه شروق الشمس في نهار شتوي وأنت بين الردهات والممرات وكأنك تعبر قنوات مائية وتسمع تقليب صفحات الكتب وكأنه الخرير المائي المنسكب من شلالات عالية النبوع. هذه هي الشارقة بلغت حد النضوج، وهي تفتح آفاقها للعالم وتمضي بالكتاب إلى مرافئ مراكبها كتب، والمسافرون مفردات تحمل في حقائبها معاني الحلم الإنساني وما جاشت به قريحة عشاق الكلمة. في المعرض، يحضر الهاجس البشري وتمارس الفكرة النبيلة سطوتها، ويصعد العقل إلى مرتفعات جبلية مزروعة بنخيل الأسئلة الوجودية، ومبسوطة بعشب الفرح الأزلي. في المعرض ترفرف الأجنحة بألوان وأشجان وأفنان، الناس مطوقون بالحلم، وسرد الأيام، وحكاية التاريخ على هذه الأرض الطيبة التي نسجت من «ليف» النخلة سقف الخيمة ومن جذعها وتداً ومن شهقة امرأة كادحة عصفاً يزيح عن الكاهل تعب السنين. في المعرض، أغنيات تبوح بها شفة كتاب، ووجدان إنسان عشق الكلمة، وسهر على نغماتها، وباتت الأفكار مثل شجيرات الحقول تترادف وتتناسق، وتلو لأجل أن تطل على ما خلفت السحابة، ولترشف من رضاب المعاني، وتمضي إلى الأبعاد الأربعة، رافلة بسندس الحياة، وهي تعتمر معصم الشفافية. في المعرض تصحو طيور القلب وتغرد، وفي عيونها يشع بريق الأمنيات الكبيرة، وتهتف الطموحات وكأنها عند ضفاف نهر اتسعت أطرافه، ومالت جداوله باتجاه النبوع المعرفية. في المعرض كل الأشياء تبدو منتعشة ناهضة مستبسلة من أجل أن تكون الكلمة مركز الدائرة، ومحيطها، وقطرها، ووترها ووتيرتها ولونها وشكلها وحجمها ووزنها. في المعرض تتوهج اللافتات بأضواء العرس الثقافي، ويتزين المكان بإشراقات الوجوه وابتسامة الناس المنهمكين في التلاوة. في المعرض، تشعر أنك تزور مدينة خيالية لم تخطر لك على بال، وما يعبر عن إحساسك هذا هي الفرحة الغامرة التي في قلبك، ووصولك إلى الأمكنة التي تود ارتيادها قبل أن تصل هناك طاقة خفية تدفعك إلى الكتاب المعين، وهناك صوت يختبئ في داخلك يدعوك لأن تمر من هنا، وتذهب إلى هناك، وتطالع هذا الكتاب وتقرأ عنوان ذاك. في المعرض، تلتقي بعيون قد أسغبها السهر، وأخرى أتعبها مرور السنين عبر غابات الأسئلة، وهناك عيون لم تزل صافية، لأنها قرأت كثيراً في الأحلام.