لعل من المشاهدات الجديرة بالتوقف والتساؤل، ما نجده في معارض الكتب، عند الأكشاك الدينية، وبعض المكتبات «الإسلامية» من أمهات كتب الفقه والأدب «الملتزم»، وكتب الغيبيات والخزعبلات التي تغيّب العقل، وتدعو للجهل، وبعض الكتب الدينية ذات التوجه الإرشادي والنصح والتنشئة المثالية، كما يبتغي المتدينون الدراويش، ورخص أسعارها، بحيث تصبح في متناول الشريحة الفقيرة، وهي الغالبية في المجتمعات العربية، وهذا أمر محمود، وطيّب إذا كانت النيات حسنة، وتبتغي وجه الله، أما إذا كان وراء الأكمة ما وراءها، فهنا يكون التوقف والتساؤل المشروع، لقد رأيت في بعض معارض الكتاب في مناطقنا العربية مثل دور النشر هذه، ومثل تلك المكتبات الدينية، وهي تكيل الكتاب بالكرتون، قد يقول قائل: ربما لأن مثل هذه الكتب من دون حقوق ملكية فكرية، وبالتالي تباع بسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط، لكن لمن يعرف سوق النشر، والتوزيع، وصناعة الكتاب، لا يصدق هذه المسألة، لأن تكاليف الكتاب أصبحت باهظة، وكذا الشحن والتخزين والمناولة، وغيرها من الأمور، لذا لا بد أن نتيقن أن وراء هذه المكتبات ودور النشر، أناساً مأجورين، وهذا ليس من الأجر والحسنة، ولكنهم منظمون، ومؤدلجون، ويعرفون كيف التسلل للبيوت بذلك الغزو الرخيص للكتب التي يريدونها، ويدعمونها، بحيث غدت مثل القول: «انشر.. تؤجر»، ولا عيب في ذلك لو كان تحت النور، مثلما تفعل الكنائس في الغرب، والإرساليات التبشيرية، لكن «جماعتنا» يعملونها في الخفاء، وبالستر، وبالتقية، لذا نشك في النوايا، وتربكنا الغايات. مثل هؤلاء المأجورين يقومون بشيء آخر، وهو اعتداء على أمهات الكتب، والعبث بمضمونها، بحيث يصبح كتاب «ألف ليلة وليلة» كتاباً يصلح للناشئة، ويهجمون على بعض القصائد فيحذفون بعض أبياتها التي يَرَوْن فيها اعوجاجاً وكسراً، فتظهر القصائد مختلة، وناقصة، وتضيع مع الوقت النسخ الأصلية، وتبقى النسخ المهذبة، المشذبة، يدخلون على كتاب صحيح البخاري، ويطمسون منه أحاديث مثار شك، ونقد، وتصحيف للبخاري، وصحيحه، وشكك فيها كثير من المفكرين والباحثين، وأنها تخالف أحياناً النص القرآني، فتختفي تلك الأحاديث مثار الجدل بقدرة ناشر، وممول ديني. لذا لا يغرّكم ثمن الكتاب، ولا وجوده، ولا المذهبات التي كتبت به، فيمكن أن تضروا عقول أبنائكم، ويمكن أن لا تتحمل رؤوسهم الناشئة ثقل المجهول والغيبي، ومقارع الحديد، وتلك الْحَيَّات والغيلان التي تنغل الجسد في القبر، يمكن لهذه الكتب أن تحد من نمو عقول أبنائكم الفكري والإبداعي، يمكنها أن تخلق أشخاصاً غير أسوياء، ومضطربين نفسياً واجتماعياً، يمكنها أن تصنع منهم إرهابيين دون أن ندري!