لطالما كنا ننظر إلى لبنان وعاصمته بيروت كمنارة إشعاع حضاري وثقافي وفني، ومركز للإبداع والألق في مختلف فنون العلوم والثقافة والآداب، ونقطة مضيئة للتسامح وحسن التعايش والحريات، فمنها ومعها الرأي والرأي الآخر، وصوت الإعلام الحر البعيد عن الصوت واللون الواحد. وارتبط في وجداننا ذلك البلد الجميل وشعبه الشقيق المحب للحياة بكل ما هو جميل. ولا زلت أتذكر صورا كان يبعث بها لنا شقيقي الأكبر عندما كان يدرس في الجامعة الأميركية هناك ستينيات القرن الماضي، غير متخيلين أو مدركين وجود الثلوج وذلك الجمال في بلد عربي، ونحن بين كثبان الصحراء وحرارة الرمال والأجواء. اليوم نحن مع لبنان آخر غير الذي عرفنا، لبنان «المافيات» و«الزعران» يحركهم حزب «اللات» الإرهابي، بعد أن اختطف البلد وغيب الدولة، وجعل منها ضيعة إيرانية، ومن المنصات الدائرة في فلكه أبواقاً لنشر الكراهية والأحقاد، وبث الإشاعات والأكاذيب عن دولنا الخليجية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي كانت مع لبنان وشعبه في أحلك الظروف لتجاوز محن يرزح تحتها. ولكن أبواق حزب الشيطان وزعرانه تعمل دوماً على تشويه كل مبادرة خليجية تمتد لمساعدة لبنان. ولولا تحرك الرياض لوقف الهبة السعودية للجيش اللبناني لرأيناها جيرت لأذناب إيران. وجاء اعتداء «زعران بيروت» على مكاتب صحيفة «الشرق الأوسط» هناك، ليؤكد مدى الضيق الذي أصبح عليه ذلك البلد الشقيق بالرأي الآخر، والصحيفة الزميلة معروفة بخطها الناضج وحرفيتها. كما جاء إغلاق العديد من الفضائيات العربية لمكاتبها في بيروت بعد تحول مناخ العمل إلى بيئة معادية لنور الحقيقة والرأي النزيه الساطع. ردة الفعل الخليجية على تجاوزات ذلك الحزب الإرهابي بحق لبنان واللبنانيين قبل الدول الخليجية وشعوبها تعبر عن حكمة ورقي ونضج تتعامل به مع الشأن اللبناني، انطلاقاً من قناعة راسخة بأنه لا يمثل لبنان ولا كل اللبنانيين، وهو الحزب الذي ما أنفك يوظف عملاءه للعمل على زعزعة أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي خدمة لأسياده في طهران. لقد جاء الموقف التضامني للشرفاء ممن يحدبون على الكلمة الصادقة والرأي الحر مع الزملاء في«الشرق الأوسط» ليعبر عن رفض لغة الإرهاب وأساليب «زعران بيروت»، وليعبر عن ثقة عالية بأن لبنان سيعود قريباً بعد أن يستعيد نفسه من المخلب الإيراني ووكيله في بيروت.