صدم الوسط الصحفي والإعلامي العربي بالاعتداء الذي تعرض له مكتب الزميلة صحيفة «الشرق الأوسط» في بيروت، وأعاد لنا هذا الحادث مشهد الاعتداء على مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية، مع فارق التشبيه في المواقف والتفاصيل، وذلك بداية العام الماضي في مكتبها وسط باريس الذي نتج عنه مقتل 12 صحفياً ورساماً، وإصابة 11 آخرين، جميعهم كانوا ضحية اعتداء إرهابي بسبب رسم كاريكاتوري نشرته مجلتهم. صحيفة «الشرق الأوسط»، قامت وتقوم بدورها الصحفي المهني منذ عقود، وتنقل الخبر والمعلومة والرأي، وتحظى باحترام القارئ العربي في كل مكان، وإنْ اختلف معها في الرأي والموقف، وهذا طبيعي، ولكن عندما يختلف شخص أو جهة أو مجموعة أو تيار أو حزب مع ما ينشر في الصحيفة، فالتصرف العادي أن يرد على ما ينشر بالكلمة المكتوبة، سواء في الصحيفة نفسها أو في صحيفة أخرى أو أي موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي، أما ما تم أول أمس من تهجم واعتداء وأعمال همجية ضد مكتب الصحيفة بحجة أنها نشرت «كاريكاتيراً» أغضب «بعضهم»، فهذا غير مقبول أبداً، وهو إرهاب فكري وثقافي واضح يجب أن يحاسب عليه من نفذه ومن حرض عليه، ولا بد أن يكون للأجهزة المختصة في لبنان إجراء حياله. لبنان الذي كان منارة للحرية والانفتاح، وكان حلم الشباب العربي من مثقفين ومبدعين، أصبح لا يتسع صدر بعض ممن فيه لرسمة كاريكاتير! لبنان المخطوف، أصبح ضيقو الأفق يعبثون فيه! فإلى أين يتجه هذا البلد الذي يزداد ابتعاداً عن محيطه العربي يوماً بعد يوم؟ ما حدث في بيروت يذكرني بالعبارة الشهيرة التي يعرفها الجميع، ويبدو أنها أصبحت شيئاً من الماضي ومن الخيال، بل وأصبحت معكوسة المعنى والمبنى «فلم تعد القاهرة تؤلف، ولم تعد بغداد تقرأ، وقد تتوقف بيروت عن الطباعة».. بيروت التي كانت تستوعب كل الآراء والأفكار والتيارات، هذا البلد الصغير في مساحته الذي كان كبيراً بمفكريه ومبدعيه، هل وصل به الأمر إلى أنه لا يحتمل رسمة كاريكاتير أو مقال رأي!؟ استغربت كثيراً لهذه الحادثة، وما زلت مندهشاً كالكثيرين، كان يمكن أن نستوعب حدوث هذا التصرف غير الحضاري في عواصم عربية أخرى أو حتى في عواصم غير عربية، أما بيروت التي كانت منارة الشرق الأوسط، ومقصد طلاب العلم والمعرفة والإبداع والحريّة، فلم أتخيل أن يأتي يوم يضيق صدر أحد فيها برأي أو موقف، ولم أتخيل أن يكون الرد على هذا الرأي بهذا العنف والإرهاب والتخريب! متى ندرك في هذه البقعة من العالم أن الرأي لا يرد عليه إلا بالرأي، والكلمة بالكلمة، والكاريكاتير بالكاريكاتير؟ ومتى ندرك أن العنف والقوة والعضلات والبلطجة لم ولن تغير أو تؤثر في الفكر؟