لكل بيئة أشجارها المتلائمة مع ظروفها المناخية، ومن أهم الأشجار المعروفة في بيئة الإمارات، النخيل والغاف والسمر والسدر وشجرة اللوز، وكذلك شجرة (الجز) أو الأثل، وهي شجرة عديمة الفائدة الغذائية ولكنها قديماً، كانت تمتلك أهمية خاصة بسبب جذوعها التي تستخدم كوقود أو أخشاب وألواح تدعم بها أبدان القوارب أو دعامات لبعض البيوت القديمة، خاصة المبنية من الطين أو سعف النخيل. لكن لها ميزة أخرى، فهي وحدها تنفرد بما تنسج حولها الحكايات والخرافات، حيث يدعي القدامى بأنها موطن الجن، وعندما تنفرد هذه الشجرة بعيداً، وتكون ضخمة، وفي منطقة موحشة، فإنها بالتأكيد مسكن للجن. وهي مخيفة في الليل، ولا أحد يذهب إليها أو يقطع أغصانها، لذلك تكبر وتتعملق في الأحياء، وتكون ضخمة وعالية. شجرة الجز مهمة وذات ظلال كبيرة تحمي الناس أو المرتحلين من منطقة إلى أخرى من حرارة الشمس، وتكون استراحة باردة في لهيب القيظ، والقدامى يقصدونها في النهار، ولكنها ذات حكايات وخوف في الليالي المظلمة. قديماً كانت في الحي مثل هذه الشجرة الكبيرة، نلعب تحتها في النهار لضخامة ظلها ولكننا نفر ونخاف من الاقتراب منها ليلاً بسبب الحكايات التي يقولها أهلنا القدامى في أم سقيم. بعد مدة، جاء رجل من عُمان يدعى حمود، بنى كوخاً وخيمة صغيرة تحت تلك الشجرة العالية الكبيرة، نحن الصغار كنا نتعجب من أنه لا يخاف، فيما قال لنا الأهل إنه رجل من عُمان، شجاعٌ لا يخاف من الجن ولا العفاريت، أحدهم أسر لنا أنه صديق السحرة الذين عقدوا معاهدة مع الجن بأن لا يمسوا حمود بأي مكروه. حمود وسع جداره المبني من سعف النخيل، ثم شيد خيمة قوية وسط الجدار الذي تنتصب وسطه شجرة الجز، زرع أنواعاً كثيرة من الخضراوات ثم أضاف أشجار النخيل التي أخذت تكبر بسرعة، خاصة بعد أن حفر بئر ماء، في كل صباح ومساء كأن يطرب المكان بأغانيه العُمانية الجميلة، ومدّ صداقات كثيرة مع الجيران. كان يوزع عليهم مما يزرع. ظل حمود عمراً طويلاً يعمل في بساتين النخيل (الزرايب الزراعية)، ويسعد مع أيامه الجميلة وصداقاته مع الأهالي، نبتت أشجار جز في أطراف حوشه، أخذت تكبر وتصعد إلى السماء، بعد عمر طويل رحل حمود إلى عُمان، وماتت أشجاره، وحدها شجرة الجز القديمة ظلت تحرس المكان، حتى جاء التعمير واقتلعها لتختفي أشجار الجز في منطقتنا وربما اختفت من بيئة الإمارات كلها.