ألقى إعلامي عربي في إحدى الجامعات العريقة في بلده، محاضرة كانت مكثفة جداً أمام جمع غفير من الطلاب. خلاصة ما قدمه يدور حول فكرة أن الحل للمشاكل التي يعيشها واقع بلادهم، بأن على أبناء وطنه أن يكونوا مغرورين، وأن يعلي كل شخص من نفسه وينظر لذاته بغرور وعلو على الآخرين -نعم ذكرها كذلك-، ودلل على ذلك بحال الألمان الذين ارتقوا بعرقهم الآري فوق الأمم، وذكر في السياق التجربة الماليزية الناجحة وإعلاء الذات الماليزية، والحقيقة أني منذ ذلك الحين رحت اللحظة، أتساءل عن كيفية تمكن مواطني ذاك البلد من علاج مشاكلهم بالغرور، ولا أدري ماذا تنتظر من إنسان مغتر بنفسه؟ فما أعرفه أن من يجد نفسه الأفضل في كل شيء لن يقدم شيئاً جديداً لنفسه أو وطنه! البعض يعيش في الماضي منغمساً فيه، في سطوعه وألقه وحتى أساطيره التي أثبت الحاضر خرافتها، ولا يقرأ نفسه إلا بلغة ذلك الماضي الذي لا يزال الكثير من مفرداته مجهولة، ويظلون في فلكه يدورون وكأنهم في غيبوبة تاريخية! حسناً.. بالتأكيد لا مشكلة لدينا عندما يصر البعض على ذلك، فهذا شأن خاص تماماً، ولكل الحق في أن يعيش حياته في أي حقبة تاريخية يريدها، ولكن ما لا يمكن القبول به أن يصر ذلك المنغمس أن يسحبنا معه إلى زمنه ذاك، مطالباً إيانا بأن نُكن له ونُبدي ما كان الآخرون يكنونه لأجداد أجداده!! إصرار البعض على اجترار الماضي يجعلهم في غيبوبة حقيقية عن زمانهم وعن ما يجول فيه، فلا يعيرون لما حولهم أهمية العاقل، معتبرين أنه وفعله لا شيء مقابل تاريخهم العظيم، وفي الحقيقة تبدو هذه الغيبوبة اختيارية وبوعي متعمد لكي يتخلص من سوء واقعه، فيسترجع لنفسه زمناً ويعيش فيه، ويتعامل مع الآخرين من برج زمنه المتصور الفاني. تزداد الورطة عندما يكون هذا الشعور جمعياً، أي متفق عليه ضمناً بين أفراد المجتمع. يلجأ الكثيرون في رأيي لهذه الغيبوبة عندما يفتقرون لكل وسائل إنقاذ واقعهم الممكنة، سواء لأنهم حاولوا التغيير ولم يفلحوا، أو أنهم في الأساس كسالى غير راغبين التحرك والتغيير، أو لأنهم، وهذا في أغلب الأوقات، غير صادقين، وبعد ذلك الفشل يجدون في ماضيهم ما يمكن التعلق به واجتراره، كما يجدون حولهم من يصدق وهمهم من بين الجهلة والذين يشبهونهم.. للأسف وما أكثرهم.