حتى كتب الأدب السيئة مفيده لأنها تجعلنا أكثر قدرة على تمييز الأدب الجيد. تجعلنا أكثر ثقة في النقد وانتقاء الصالح من بين أكوام الكتب الأدبية التي تصدر طوال الوقت. وحين أقول «أدب سيئ» لا أعني بالتأكيد تلك الكتب التافهة التي اجتاحت مكتباتنا بدعوى أنها روايات شباب. هذه أقصى ما يمكن أن يطلق عليها إنها سيناريوهات ركيكة لأفلام مبتذله. كتب الأدب «السيئة» التي أقصدها هي تلك التي، وإن تدنى مستواها من حيث المحتوى أو طريقة سرده؛ إلا أنها تظل في النهاية روايات. هكذا كتب حين تقرأها نصبح أكثر اشتياقاً لقراءة شيء جميل ؛ نصير أكثر فضولاً للبحث عن أعمال جيدة وحين نقتنيها نقرأها بنهم العطشان الذي اشتاقت روحه نبع ماء؛ وبشوق المحب إلى الجمال الذي اشتاقت عيناه رؤية وردة. نصير أكثر حدّة في ذائقتنا، ونعرف أن الجمال ليس في مقدور كل من أمسك قلم وكتب. تصير قلوبنا مرهفة أكثر لمن يكتب وهو يخاطبها مباشره؛ فكما قيل دوماً ما يخرج من القلب يصل إلى القلب. نصبح أكثر جرأة في تمييز من يكتب لكي يكلمنا نحن كقراء ومن يكتب لكي يجلس على أكوام إصداراته، متخذاً منها مقعداً لوجوده الشخصي. لذلك لا يجب أن يُحبطك كتاب سيئ، تورطت بقراءته مرة عن الاستمرار في القراءة. ستلتقي في مشوار قراءاتك بالكثير من الكّتاب ممن حين يرد اسمهم في مناسبة ما، تتذكرهم وكأنك سمعت للتو اسم صديق حميم.. وستعلق بذهنك أسماء العديد من الشخصيات وكل الأحداث التي مرت بها وكيف تعاطت مع تحديات حيواتها المختلفة، وستظل تتأمل بين حين وآخر ؛ في استراحة شاي أو بين أحاديث ودية مع رفاق؛ كيف انتهت حياة كل من تلك الشخصيات، وكيف شكّلت القرارات التي اتخذتها في مواقف معينة نمط حياتها، وكيف تعايشت مع النتائج بشجاعة مؤثرة أو بجبُن بشري. ستغدو رأسك مليئة بالأفكار والمقارنات والملاحظات، وستكون رؤيتك لأي شيء في حياتك أكثر شمولية، ولن تضيق سريعاً بإزعاج أو ضجة أو إلحاح مطالب الحياة اليومية ؛ سيكون قلبك قد اتسع ليشمل الحياة على عقباتها والإنسان كله على علاّته. هذا ما تفعله القراءة بك دون أن تدري؛ حتى لو تخللتها الكثير من الكتب السيئة.