من كلباء، خاصرة الإمارات الخصيبة، والرحيبة، والنجيبة، تتعملق شجرة آمنة المراشدة، وعلى رأسها يشدو طائر الوطن، مكللاً بالحب، مجللاً بمشاعر الولاء لتراب مشت على حبات رمله خطوات وسحابات، وآمنة أم المؤمنات بهذا الحب الكبير، هذا الصخب الإنساني النبيل، وهبت سبعة من شرايين القلب لتروي الوطن، من عذب النبض والحض، وتقدم للمرأة الإماراتية مثالاً في العطاء، موالاً في الشدو على وتر الانتماء، هذه الخنساء من كلباء، من ذاك التاريخ المتدفق شوقاً وتوقاً وتألقاً، المسافر في الدماء كأنه القصيدة، كأنه العباءة الفريدة، كأنه الزمن، يخيط قماشة العشق، من حرير التفاني من دون توانٍ، ومن عطر التراب الأسطوري، يخلد ذائقته الكونية، ويهدي للعالم رونق الانتماء إلى الجمال، هذا الجمال الذي أصل الحب والفداء ورفض الخنوع للحزن والتفجع، لأن حب الوطن سحابة تغسل القلب من أحزانه وأدرانه وأوزانه، وتطهر العين من غشاوة الدمعة، لتضع الشمعة، في طريق الذين ساموا النفس رخيصة في سبيل الكرامة، ومن أجل شرف رفيع لا تخدشه صبوة ولا تنهشه كبوة.. هذه آمنة المراشدة، الوجه والقرطاس والقلم، والكلمة التي أسفرت عن مكنون ومخزون، وأينعت عند الشفتين مبللة ريق من آمنت أن الشهادة من أجل الوطن طريق للخلود، في جنات الأبدية، آمنة التي وضعت فلذات الكبد رهن الإشارة، لنداء وطن، ما خاب سعيه، وهو يصغي السمع لأمهات، جليلات، أصبحن اليوم مدارس تنتشر في أرجاء الوطن، يقدمن الدروس والمواعظ، والمثل العليا، يقدمن النموذج في الحب، يقدمن أنفسهن، مشاريع شهادة قبل أن يهبن أبناءهن للدفاع عن الوطن والذود عن حياضه. آمنة.. المرأة الجبلية، الحازمة، الجازمة، الصارمة، حسمت الأمر، وقالت كلمة السر، أبنائي كلهم فداء للوطن، وفي عينيها يشع بريق الفرح، وهي تزف ابناً لها إلى رياض الجنّة، محتسبة إياه من الصديقين والشهداء. آمنة.. شكراً لهذا الدرس، شكراً لأنك أنجبت أشبالاً، ورجالاً، وأبطالاً، شكراً لك ولكل أم من أمهات هذا العرين، الأبي لأنهن قدمن للعالم أجمع دماء طاهرة، عبقت الذاكرة بعطر الشجاعة والإصرار على ترتيب الوعي الوطني وتشذيبه، وتهذيبه، وتخصيبه بمشاعر أذهلت القريب والبعيد، وأعطت لعدو الإنسانية، وسلالات الحقد والكراهية درساً في كسر شوكة العقد النفسية ودحض الكبرياء المزيفة، والتورم والتضخم، والتأكيد على أن الحب وحده القوّة العظمى التي تهزم كل متجبّر ومتكبّر، الحب طريق أهل الإمارات في التلاحم، وضم الصفوف خلف قيادة آمنت بحب وقناعة أن البيت متوحد.