في المحيط والزوايا تدون من حولنا النوايا والرزايا، ونحن هنا في الكوكب العام، مكاننا يضاء بالعزيمة والشيمة وسجايا الرجال الأفذاذ، وسواعد الأبطال تضرب الأغصان اليابسة لتشذب الشجرة.. نحن هنا في هذا الخضم الأعم، في هذا الجبل الإنساني الأشم، نقف بقامات شامخة راسخة، يجللها الشوق إلى إنسانية معافاة من درن الأحقاد مشافاة من أوثان الكراهية، وطننا الإمارات يعلو بهامات رجاله وشاحات أنصاله وعلامات مجده المؤرخ منذ أن سكن الإنسان على أديم هذه الأرض الطيبة. حاول الكارهون أن يعبثوا، وأن يلهوا وأن يتوغلوا في النسيج، لكنه كان سميكاً، متماسكاً، صلباً، فانكسروا أحاداً وفراداً، تلاشوا وبقي الوطن يحسو من رحيق عرق أبنائه، ويرشف من نبوع تعبهم، وترتفع أشجاره وتزهو أزهاره، وتفيض أنهاره وتصفو بحاره، وتزدهر أخباره، وتزهر أطواره، وطننا الذي صار علامة من علامات التاريخ المؤزر بالنبوغ وبلوغ شغاف النجوم. بنيتنا قوية والرياح من حولنا تنكسر وتندثر وتذهب جفاء وهباء بلا رجعة، لأن الذين يديرون الدفة، رجال خبروا الحياة، وعرفوا أن الوطن جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء، فلا مجال للتفريط في حقه ولا مجال للسكوت عن حقيقته. هذا الوطن سيبقى مثل قامة النوارس، مثل أجنحة الصقور، ملوناً بالثقة مزداناً بالحب، منسوجاً من خيوط الحرير، وسعادته من تلك القلوب التي زرعت أعشاب التسامح، وسقت الجذور من ماء الانتماء. هذا الوطن يقف بين الأوطان جبلاً يقرأ صفحات التضاريس بأناة وتؤدة، ثم يرسم صورة الإنسان على سبورة الآمال العريضة، ويلون الوجه بلون الصحراء البهية، ويعطر الفكر من بخور العلاقة الحميمية، ما بين القيادة والشعب ، ونجوم السماء لآلئ، تضيء سماءنا برؤية المستقبل، هذا الوطن المنتمي إلى الإنسانية المعبق بثقافات وأنساق، يجد نفسه اليوم مسؤولاً عن هذه المحفظة الثرية، يحفظها ويضعها في خزانة الذاكرة، ليلبي مطالب الوجدان الإنساني وأشياءه الصغيرة وتفاصيله، يلبي حاجة الإنسانية إلى البقاء وإلى وجود نابض بالحياة والفرح. هذا الوطن محراب الذين يتوقون إلى حياة من دون منغصات، وفكر من دون ملوثات، وثقافة تمد اليد ولا تغمض العين. هذا الوطن سليل النجباء يحتفي بطموحات الناس جميعاً، يرعاها ويرويها بماء المكرمات، ولا يدع للأهواء والهوى منفذاً كي يقذف بالقصاصات المهمة، كي تكون بعيدة عن الذاكرة. هذا الوطن قوي البنية، راسخ القاعدة، لأنه وضع الحب قانون الحياة ودستورها.