بعد صلاة الفجر أرتدي حذائي وأذهب في الظلام والضباب والهدوء والسكينة مهرولة نحو المجهول، فالقصد هو نقاء الجو والقلب والتركيز الإيجابي ليكون الداخل متوازياً على الظاهر فلا يختل العزف على أوتار العقل والجسد. وفي صباح ذات يوم وجدت مؤتمراً من الهداهد اجتمعوا في بقعة معينة من ذلك العشب شديد الاخضرار؛ طارت جميعها إلى جذع شجرة استرخت غصونها عدا واحداً من المجموعة، فقد كان ينظر إليَّ وهو يقرر هل يرفرف بأجنحته أم ينتظر ماذا أفعل فيحدد خطوته القادمة! لا يعلم هذا الهدهد مدى تفاؤلي برؤيته فقد كانت والدتي تقرأ لنا قصة سيدنا سليمان والهدهد في طفولتنا، وكانت تتفاءل برؤيته لتفسيرها الخاص بأن أخباراً سعيدة ومفرحة تتبع رؤيته فقد ربطت قول الله تعالى (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) بتفاؤلها وتوقها الدائم للقائه. وتساءلت في خاطري: «يا مرحبا بالعلوم الطيبة، اقربي وتفضلي ويا رب تقرب البعيد وتكفينا شر ما في الغيب». فمررت بمقربة من الهدهد الشجاع فلم يتحرك وأنا أتساءل عن سر بسالته وتحديه، وما أن مررت بقربه حتى رفرف بجناحيه طائراً أمامي حيث يقع في حيز نظري... فعل ذلك ثلاث مرات ثم اختفى في زرقة السماء وغيومها الملبدة كالقطن. روحت البيت وأنا مختالة في مشيتي وفخورة بقناعاتي وكأني ملكة سبأ التي وصفتها هدهدة الطائر بما لا يدركه عقل الإنسان. وبعد وجبة الغداء، جلست في زاوية تغازل منها الشمس ظل النهار فتتخلل أشعتها المائلة قضبان النافذة والشمس في سريانها غروباً؛ لحظات وسيطر عليَّ «بوساحة»، فغرقت في نوم عميق رأيت فيه نفسي على أعتاب بحرٍ عميق وبيدي خيط سمك علقت في نهايته سمكة سرت أجذبها من لجة عميقة إلى سطح البحر، وقمت من النوم فرحة لقوله تعالي (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا) لذا تفاءلت بهذه الرؤية حتى تذكرت ما قاله لي صاحب الشأن بأن الأحلام ليست ملكنا ولا بد من البوح بها ليصبح لها حيز في عالمنا هذا. للعارفين أقول، قفوا وتأملوا خلق الله الذي وضع جماله في صورٍ ومفاهيم ومعايير متعددة حتى يكسب البشر محبة بعضهم البعض بفطرة تلقائية تتجانس مع أذواقهم المتنوعة والمتعددة، وأن نتفاءل بمخلوقات الله وما وضع لنا في الطبيعة للإلهام والتعلم. وأنا على يقين تام بأن الجميل آتٍ قريباً لا محالة ومناص؛ صبراً جميلاً والله المستعان.