حاولت إقناع الأصدقاء أن مثل هذه البلدان، هي حديثة العهد بالانفكاك من النظام الشرقي، حيث الموظف يربط الملفات بخيط أحمر سميك، ويراكمها في خزائن حديدية، ولابد، أن نعذرهم، فتسريب أي معلومة، معناها التخابر مع جهات أجنبية، وهذه حكمها الإعدام، لذا الحرص واجب، خاصة الموظفين العموميين من الحرس القديم. لم يقتنعوا كثيراً، واتصلت بالرقم الذي مدتنا به السفارة، وأجابني صوت أجش، واضح أن اللغة الإنجليزية تعلمها على كبر، من ردّه عليّ: «فات يو فانت»، لا «هاي.. ولا اكسكيوزمي.. ولا بليز»، وتلاه بطلبه مباشرة: «ساوزند تري خندرت فو ون باسبورت»، نقلت ما سمعته، مضيفاً بعض الهواجس القصصية:« بصراحة.. صوته ما عجبني»، ولكي أزيل التأفف عنهم، قلت «أعطوني جوازاتكم، وسأتكفل أنا بالباقي»، فلمعت عين واحد منهم، وأدخل جواز سفره في جيبه، فتغامز الأصدقاء عليه، وهم الذين يعرفون حرصه، وهاجسه الأمني، وأرادوا أن يمثّلوا عليه، جلسنا في مقهى، خرجت وعدت، وأنا أتحدث بالهاتف، ثم بادرت الأصدقاء: «مثلما قلت لكم.. صوته ما يطمّن، كلما ما أكلمه، أحس أنه راكب على دراجة نارية، مب في مكتب، وصوته خشين»، ففرح الصديق الحريص: «هاه.. ويبانا نوليه جوازاتنا»، واستلموه الأصدقاء بتعليقاتهم: «واحد بو سيكل موتور، ما تعرف وين ساكن، في أي صندقه، وين عقب بنراكض وراءه.. أنا أقول طبّوا عنكم هالرحلة»، آخر قال: «أنا واحد ما بعطي جوازي لصاحب وشم في ذراعه.. أنتو ببصركم»، الصديق الحريص انطلق لسانه: «يا بوي أنتو ما تدرون يوم بتسلمونه جوازاتكم، والله ليطلّع عليه ويز.. إش درّاكم، وهضّله من الزينات على كفالتنا»، وشعّل الأصدقاء المتغامزون فتيل النار: «يعني أثم ورذيلة، ويباتون يكتبون ملائكتي على ظهري، وأنا خبر خير.. لا والله معذّر من هالرحلة»، «ودرّوا أشوار ناصر.. قلّعوها ذيك البلاد، خلّونا نروح لندن»، فرديت بخبث كاذب، قاصداً الصديق الحريص: «بس.. السكرتيرة رسلت له صور جوازاتنا»، فصرخ الحريص: «منو قال لك ترسلهن.. تلاحقهن، هاي جوازات مب لعبة، والله لتمتزر البلاد بناس على كفالتنا.. وباجر قولوا ما قلت لكم»، فعلق أحدهم: «الحمد لله أنا عندك صورة جوازي المنتهي»، الصديق الحريص متململاً: «أنت بربك سلمت.. الداعية جوازي أنا، توّه جديد.. والله يا يكفلون عليه يميع الشي»، «بصراحة ناصر غلطان.. إشعنه تستعجل، لقفته صور جوازاتنا»، الصديق الحريص: «عثره يشاور أحد.. تقول سرّه مقطوع هناك»، «عليكم بلندن.. ديرتنا ونعرفها» الحريص: «زين سرنا لندن.. وصور جوازاتنا اللي عند بو وشم، راعي السيكل موتر»! ضحكنا.. وضاعت الرحلة إلى بلد.. ستان!