فقلت له: فألك طيب، يا رجل يا طيب، والخير أن تعجل برد المطلوب، لأن العاشق في شوق لرؤية المحبوب، وضرب لي موعداً سواء، لا يخلفه إلا من أراد ظلماً أو بغياً أو افتراء، فقلت في النفس: مرحباً بالحرامي.. وبمقاماته البديعة، ولما العهد والوعد في بلد الإفرنج، ضبط وربط وجدّ، لا كما عند أبناء العمومة، هزل وهذر وصدّ، فقد غفيت عيناي بعد طول سهاد، وأطلقت لأحلامي العنان، بعد أن كان عزّ الرقاد، وأيقنت أن المحفظة آتية في الحين والوعد، فاستبشرت خيراً، ولم أضع يداً على يد، أو خداً على يد، وإنما قمت في الحال، وأحضرت ما بقي معي من مال، ظللت في انتظار الرَجّال، لكنه طلع عيل من العيال، وانتظرت.. وانتظرت حتى فاض بي الكيل والمكيال، حينها عرفت أنه يلعب على الحبال، يريد أن يكسب وقتاً، ويريد أن يلحس الأموال، ولم نكن في زمن «المسجات»، وهاتفياً يمكن أن تضبط الحسابات، ولا كان وقت أرقام التحويلات، فقلت، وأنا أفكر بعالي ما في حسي، وأبحت ما في صدري لنفسي، أن هذا الغلام الذي بدأ من حديثه «هتّلي»، يريد أن يستدرجني ليأكل على ظهري، فقمت من فوري بإلغاء البطاقات، لكي لا تزيد السحوبات، وتصبح مصفرّة كوطب الشنّ كل الحسابات، وتداركت ما بقي في مصرفي من باقي المعاشات، فتنطط من حانوت، لمتجر، لمحطة وقود، طاف على كل «البارات»، ولما صدته كافة الماكينات، أسقط في يده، وحار كيف يمكن وضع رأسه على مسنده، فلم يجد إلا الوفاء بعهده، والبر بوعده، ولا مجال للمغامرة أو التجربة، أو ركوب المخاطرة، فالبطاقات غدت ضامرة، بعدما كانت عامرة، اتصل معتذراً لتخلفه، متعللاً بسقمه، وأنه كان طريح الفراش، تنفضّه حمى، كحمى النطاح، لم يغمض له جفن، وعلى جبينه بارد القطن، وعلى عينيه كمادات العُهن، ولم يذق لأيام طعم القراح، فسررتها في نفسي، وقلت: المسلم العربي دوماً مبتلى، لكنني شممت رائحة ابتزاز، من صوته الهزاز، فتظاهرت له بعدم الاكتراث، وأشعرته بالارتياح، فأقسم بجدوده العرب الأقحاح، أن لا يمرّ هذا الصباح، إلا والمحفظة عند فاقدها، وصدق هذه المرة، فقد جاء على حين غرة، لكنه هذه المرة، كاسر الجرة، فالمحفظة كانت كرأس القط، والآن كرشق البط، فأعطيته المكتوب والمقسوم، فانصرف متجهماً، ناعياً حظه المشؤوم، وهو بداخله فَرِح، داعياً رزقه أن يدوم، على محافظ أبناء جلدته، لأنها كالتخوم، وأن يجنبه محافظ الأفارقة، لأنها سموم وهموم!