كفى أن ينالك الستر، وألا يرى أحدٌ ارتجافة روحك وأنت تهذي في ليل عشقك، وتتأوه الكلمات على شفتيك قبل أن تنطق باسمها، وقبل أن تخضرّ في عينيك صحراء الحنين. وكفى أن قلبك نادى حتى تمادى يضجُّ ويكتوي ويتلعثمُ النبضُ فيه، وأنت جليس ورقة، ونديم قلم. ولولا الحب، لكنت صهراً للفراغ. تدحرجك الوحدةُ في زوابعها وترميك هشاً بلا معنى. وتطردك المرايا لأن وجهك لا يُرى في عتمة الحيرة ووحشة المتاهة في السؤال، ولولا العشق، لكانت حياتك ركاماً في الزوايا وبقايا حطام. يوماً، عندما داست أصابعها على أطراف ظلك، فجرى من تحتك نهر الأماني دافقاً، وتوضأت خطواتك باللهفة، ونبتت على زنديك أجنحة الكلام، وبدلاً من الصمت، سمعناك جرساً في نشيد العذوبة، وبدلاً من الآه، جرت سيرة نطقك في القصيدة، وسوف يقال عن بوحك أنه عسل يسيلُ على الأوصاف فيحيلها ذهباً وفضة، والحروف التي نثرتها في تربة الذاهبين إلى العشق، ستومضُ مثل نجوم صغيرة في ليل عرسٍ لا ينتهي. هذا لأنك أوّل من أيقظ فكرة أن يكون الضوء حبراً، وأول من رفع ريشة العصفور ليكتب في الهواء وجهاً إن رأته الشمس شعّت بابتسامتها على الكون كله. وكفى أن يديك تصفقان الآن كلما مرّ الشعراء على البياض ولوّنوا حواشيه بترف الخيال. وما دمت تجري في سرد المحبة، وما دامت عيونك لا ترى غير الجمال، ستأتي الحرية بفستانها البنفسجي لتجلس بين يديك لعلها تُشفى من قيود الأوصياء. وسوف يناديك من جفّ دمعه ولم يذق طعم الحب بعد. ومن وراء التلال البعيدة، سيعزف الناي بعضاً من نوح أشواقٍ تلاطمت في صدرك، وهاج بحرُ هديرها نغماً بين السهول. كفى أن عرفت الحب وشربت من مجراه رمقاً بعد رمق. وأنت الذي حاصرتك عيون الخائفين في طفولة مرة، وأنت الذي لقّنك اليائسون مهابة أن ترتمي في العشق خشية أن تُدميك شوكته النافرة. ولم يعرف هؤلاء، أن جرعةً من همس شفتيها تكنسُ ما رواه وعّاظ الحذر. وأن لمسة من حرير يديها تُشفي ضجر الأيام، وتبث في العقول الذهول. وكفى أنك في الحب إن مُتّ تحيا بألف جناح، وتطير حراً في سماءٍ لا حدود لمنتهاها. ويصير اسمكَ ترنيمةً في شدو طيرين يبتعدان في عرس سحابة راحلة.