لعل من الأمور العصيبة التي تتعب الإنسان، وتثقل عليه، ولا تجعله حراً، تؤثر في تفكيره، وتملي عليه إرادتها، وتعطل عليه عملية الاختيار، هو الانشطار، انشطار النفس، وتعدد ولاءاتها، وما ينطبق على الأفراد، ينطبق على الأوطان، وخير مثال على ذلك اليوم، لبنان، حيث تتنازعه الانقسامات، والتشرذم، والتشطر، وبالتالي يصبح مسلوب الإرادة، وبعيداً عن الاختيار الحر، والانتماء الوطني، فالفرد تسحبه مرة الطائفة، فيعلو زعيقها على صوت الوطن، ومرة الدين، والمعتقد الفكري، فيلغي المواطن الآخر المختلف، وقيمة الأرض، والعيش عليها، فينقص الوطن قوته، ويسهم في هزيمته، ومرة أخرى يرتفع بيرق الارتهان للأجنبي على حساب الولاء للأرض والوطن والناس، لذا تقديم ولاء الوطن، هو الأساس الصحيح للتعايش بسلم وأمان، وتمكين النفس من التطلع لمستقبل واعد، ومتحضر يسوده الحب، ومحصن بالقانون، غير ذلك، ومتى ما اعتبر الفرد أنه يتمايز اجتماعياً، وطائفياً، ودينياً، وارتهاناً للأجنبي، يتكئ عليها ليخرق القانون، ويستنجد بها لتعينه على الخراب، وقطع اللحُمة الوطنية، يقدمها كمصلحة فردية على المصلحة العامة، والوطنية. لقد جرب العرب عبر تاريخهم الطويل مثل تلك الولاءات، وانشطار الانتماء، والارتهان للأجنبي، والمحاربة عنه بالوكالة والتفويض، وذلك إبان نشوء مملكتي الغساسنة، كحارسة لتخوم الإمبراطورية البيزنطية، والمناذرة كحرّاس لتخوم الإمبراطورية الفارسية، وتلك الحروب العبثية التي خاضوها بالنيابة عن، كذلك جرب العرب معنى الانتماء للأرض، والدفاع عن العرض، وترك التشطر، والارتهان، حينما اتحدت القبائل العربية، وواجهت الفرس، وهزموهم في معركة «ذي قار». اليوم ما الذي يحمي أميركا المتعددة الملل والنحل والأجناس والأعراق؟ لا شيء غير القانون، الذي ذوّب كل الانتماءات، وصهرها في قالب وطني واحد، هو الأمة الأميركية، لقد قامت حرب أهلية من أجل ذلك التوحد والقانون الذي يعلو على الجميع، وحتى حينما كان هناك تمدد أحمر من خلال بث الفكر الشيوعي، حوّطت أميركا نفسها، وأفرادها بقانون يحظر ذلك الانتماء، ومتابعة، وملاحقة المنتسبين له، والحجر على ممارساتهم، من حق الأوطان أن تعمل جاهدة لحماية نفسها وأفرادها، ومنع الانشطار في الولاء لها أو ازدواجية القسم لغيرها، لما إيران تحارب الأقليات الأخرى؟ وبعضها ليست بأقليات مثل شعب الأحواز، ولكن الظروف التاريخية والسياسية لعبت في كبتهم، وتقطيع أوصالهم، ودمجهم بالقهر والقوة في مناطق مختلفة من إيران، ومنعهم من التمتع بممارسة حريتهم الدينية واللغوية وتقاليدهم العربية، هل هو الخوف من الانسلاخ، والتشطر في الولاء، والارتهان للطرف الآخر، إن كان كذلك، فلما تبيح إيران لنفسها، بحجة الطائفة، واتباع ولاية الفقيه؟