يقتات بعض الناس على الحروب الصغيرة الكثيرة، المدير الذي يظن أن الموظف متآمر عليه، والموظف يظن المدير مستهدفه، الزوجة التي تشكّ في الزوج حتى تثبت براءته، الزوج الذي يحمّل زوجته مسؤولية خراب العالم، الأم التي تربي أبناءها على الخوف من غضبها الدائم، الزميل الذي يكيد لزميله، قبل أن يكيد زميله له بمنطق «الغداء قبل العشاء»، في بيئة يُسيطر عليها سوء الظن والشكّ في النيات. كلها سياقات تنشئ تلك الحروب الصغيرة، الخفية أحياناً، والمعلنة في أحيان أخرى، الكل يرى في جيب الآخر سكيناً مخبأة، يوشك أن يخرجها ليطعنه بها، غياب الإحساس بالأمان، بأن المحيط آمن، والآخر، صديقاً وأخاً، ينوي خيراً، وإن أساء التعبير أو التصرف. والوقوف على الشَّعرة في حالة تأهب لرد هجوم محتمل، هي حالة لا تنتج إلا حياة مليئة بالمرض والتوتر والاختناق. ويحصل أن تنساق -مهما كنت أكثر الأشخاص منطقية- في خضم الغفلة إلى هذه الحروب التنافسية الصغيرة والكثيرة، فتسقط في فخ الدفاع عن النفس، وهو فخ يستهلكك، ويقضي على طاقتك، التي بدلاً من أن تستثمرها في العطاء والإنتاج والحياة، تُهدرها في محاولة الدفاع عن موقع القدم التي تقف عليها، ويمكن أن يمر العمر وأنت واقف في ذات الموقع، تخوض معاركهم الصغيرة. بإمكانك الخروج من ذاك الفخ برفع رأسك قليلاً إلى الأعلى، هناك سترى الشمس والقمر والنجوم في سماء واسعة، وستدرك، ليس فقط تفاهة معاركك الصغيرة، إنما ضآلة الكوكب الذي تحيا عليه برمّته. وستبصر أمامك، بعد غشاوة، أرضاً شاسعة تنتظر أن تنطلق فيها، وترسم عليها آثار أقدامك الراكضة نحو الحياة، حياتك أنت التي ترسمها بأحلامك وطموحاتك وبراءة ضحكات الطفولة، وليست تلك التي يرسمها الآخرون لك، وفقاً لكوابيسهم التي شوَّهت دواخلهم فعمّها الظلام. كوابيس الآخرين لا تخصك، أنت لك حلمك، أنقذ نفسك من معاركهم الصغيرة، وابحث عن حلمك... ابحث عن أي وردة صغيرة حولك وتمسَّك بساقها الضعيف الرهيف، لينقذك من بؤرة القمامة التي يدفعك إليها الآخرون، تمسَّك بساق الوردة بكل قوتك، وانتشل نفسك من فخّ محاولة إقناع الآخرين وإرضائهم وتبرير موقفك. من يحبك يصدِّقك، ومن يحب نفسه يصدقك، ومن يحارب طواحين الهواء في داخله لن يكون لك سوى عقبة على شكل كابوس أزلي يجرّك معه إلى قاع البؤس الدائم. انظر حولك، فتّش عن وردتك، ومثل «الأمير الصغير» في رحلته عبر الكواكب، انطلق في الحياة واعتنِ بوردتك.