لك أن تعدّهم. الغُلاةُ الذين فرشت لهم عيونك كي يبصروا النور، لكنهم ظلوا ينزعون إلى الظلام حتى غاصت أرجلهم في الغيّ. والجُفاةُ الذين منحتهم فلذة عقلك، وعشت تبث في عروقهم النصيحة تلو النصيحة، لكنهم كانوا قد يأسوا من عدالة الميزان، واختاروا أن يميلوا جماعات جماعات إلى جهة الجهالة. وما من كلمة قلتها بفم محب، إلا وفسّرها النافخون بأنها مديح النار. وما من حجر أزحته من الطريق، إلا وظنوك تؤاخي الاستقامة وهم في التواء. وعقولهم في نفورٍ من الأبيض، وقلوبهم مصبوغة بالأسود المعتم والمخيف. وأنت، بعد هذا ماذا ستكتب والأذن لا تُصغي، واللسان نميمة، والنفوسُ غارت في سطوة النفي؟. لا يريدون من الحقيقة إلا ما يسرُّ نقيضها. وبدلاً من المصافحة، سيمدون الخناجر. وبدلاً من النشيد، ستُبَحُّ حناجرهم بفتوى القتل. لك أن تشير إليهم واحداً واحداً، وتُعلن في ملأ المطمئنين، أن الذي يحمل راية سوداء، لا يهنأ إلا بالظلام ظلاً. وأن الذي اكتمل في روحه قوس الكراهية، سيظل يطعن في المحبة حتى يفتت نهرها. وما من دواء لهؤلاء سوى أن تظل تنقش على جبين الورقة معنى انحيازك للنور. وأن ترفع في كل صباح نداء امتنانك للشمس، لأنها تقشع الظلال الآسنة، وتعمي عيون الشر، وتوقظ شعلة الآمال حتى لو امتد ليل عواءهم لحظةً أو لحظتين. ولك أيضا، أن تدوس على العشب المحروق بقدمٍ لا تعرف إلا السعي درباً. وأن تمسح على براعم الطريق بيدٍ لا تعرف إلا الحنو. وسترى أن النهاية وهمٌ لا يدوم، وأنك في المكان، إذا انتميت لأصلك، ولذاتك، وللحب، يمكن أن تصير سيّد زمانك المر. وبدلاً من الدخان الذي نفحوه كي تظل مرتعباً، سترى الوقت يكنس أفكارهم ويحيلها للوحل. وسترى الكلام يعود يطرأُ ندياً في قصائد الشعراء حتى ولو ماتوا. وكل كلمة أطلقوا عليها سهام الخوف، ستولدُ من جديد في ترنيمة الناي، وفي صرخة طفل يقبلُ على الدنيا بروحٍ سامية. لك أن تخرج من حيرة الشاعر، حين يفقد أصابعه الخمس، وحين تُنهبُ أقلامه قبل اشتعال النصّ في جسد الفراغ. عندما، بقلبٍ يفيض صحواً، تقف وحدك على شرفة الخيال، وتُعيد رسم الحياة بلغةٍ لا يطيق نطقها من أدمنوا مواعظ الخوف. ولا يبتهج لسمعها إلا طائر العشق الذي بنى في الحرية عشّه.