السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واقع منظمات المجتمع المدني

17 فبراير 2016 23:22
يُبالغ بعض المتحمسين لمنظمات المجتمع المدني، في الوطن العربي، في تفاؤلهم بتحسّن أداء تلك المنظمات، دونما دراسة واقع الحال بشكله الأعم، وخصوصية الأوضاع المحلية، التي لا يمكن أن تُطبق عليها القوانين أو المؤشرات الدولية المتعلقة بالموضوع. وهي في حقيقة الأمر منظمات ضعيفة وغير قادرة على أداء مهامها. كما أن لفظة «مدني» مكروهة في كثير من دول العالم العربي، على رغم مقابلتها لفظة «عسكري» التي لها مدلول مختلف! بل إنك قد تجد شاباً جامعياً «يتطيّر» من كلمة «مدني» ويقرنها بالفكر أو الإلحاد! فالمصطلح غير واضح، وقد تم تحريفه على مدى التاريخ، لأنه يحاول تنوير المجتمعات وحثها على العمل الجماعي لخير الجماعة سعياً للشراكة، وهذه الكلمة أيضاً غير محبوبة في أغلب الأوساط العربية! وكثيراً ما تُقرن بـ«المشاكسة» أو «التثوير» -من ثورة- على رغم أن قوة أية دولة إنما تأتي من قوة المجتمع المدني، وأن هذا المجتمع الصالح والواعي خير ألف مرة من المجتمع المتخلف والسقيم، الذي يُنهك الدولة ويسبب لها وجع الرأس، بل إن هنالك من يخلط بين مهام المجتمع المدني وبين مهام الجمعيات الخيرية. ومن أهم عقبات قيام المجتمع المدني: - ضعف التماسك في منظمات المجتمع المدني لكثرة الانقسامات والتنازع حول القيادة، وهذا يؤثر على دور تلك المنظمات في الرأي العام، ويحد من مصداقيتها في نظر الجمهور. -لجوء بعض الحكومات إلى تسييس العمل النقابي، أو هيئات ومنظمات المجتمع المدني، بقصد تحييدها أو تكبيلها عن القيام بمهامها، أو الخوض في قضايا المجتمع المهمة، وجعل بعضها «لافتة إعلانية» للعالم الخارجي، دونما فعل أو تفعيل. - لقد أثار تمويل منظمات المجتمع المدني العديد من حالات اللغط، خصوصاً الإعانات التي تأتي من منظمات عالمية في أوروبا. ويتوجس بعض الأنظمة من ذاك التمويل، الذي يتعارض مع نصوص قوانين إنشاء الجمعيات في تلك الدول، على أساس أن «الممول» سيتدخل في عمل هذه المنظمات، بما لا يفيد المجتمع، أو يثير بعض القضايا التي لا يُراد لها أن تثار، حفاظاً على «المصلحة العامة». وبالتالي يسهل وقف أعمال تلك المنظمات حال التأكد أو «الاشتباه» في تلقيها دعماً خارجياً، حتى لو كانت من منظمات أهلية غير حكومية. -إن واقع المكونات التقليدية للمجتمعات العربية له دور كبير في محاربة منظمات المجتمع المدني أو قبول طروحاتها. فالأحزاب في الوطن العربي تؤكد على الانتماء للطائفة أو الحزب، دونما ربط ذلك بالمهام التي تؤكد على إنجازات الإنسان سواء في التعليم أو الوظائف العامة، أو رفع الدخل. ولذا ساهمت هذه الأحزاب في الانقسامات وتعدد الولاءات. وضاع العمل الجماعي لصالح البلاد. وفي مناطق من الوطن العربي، تم تكريس الخطاب العشائري الذي يؤمن بأحقية وأسبقية العشيرة على الوطن أو الأمة، وهذا أثّر على العديد من محاولات الديمقراطية في المنطقة، وعلى السعي لخلق مجتمع متسق وعادل لجميع الأطياف. كما خلف العديد من المشكلات منها: ظهور المهمشين، الطبقة الوسطى، الطبقة البرجوازية، غياب تكافؤ الفرص، الفساد، وظهور موجات الـ«مع» أو الـ«الضد» داخل المجتمع الواحد، طبقاً لتفسيرات «مزاجية» ودون واقع عقلاني. أقول إن منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي قليلة النشاط والتأثير، ويوجد «توجس» واضح من عملها وأهدافها، وحتى اليوم لم يقبلها المجتمع كحاضنة ترعى حقوقه وتعمل على تطويره، نظراً للعقبات المشروحة آنفاً، ولانشغال الإنسان العربي بهموم قُوّتهِ وتربية أبنائه، ولا وقت لديه للمشاركة في عمل تلك المنظمات لأنه في الأصل غير مقتنع بوجودها، وهو لا يريد المزيد من وجع الرأس. وأرى، في هذه المرحلة، أن يتم تطوير بعض القوانين التي تحد من عمل منظمات المجتمع المدني، على أن تلتزم هذه المنظمات بأخلاقيات العمل المدني، وأن تعاضد المجتمع في التصدي للمشكلات العامة، مثل: تحديث التعليم، إصلاح الإدارة، مكافحة الفساد، دعم الحريات العامة، تأكيد العمل المدني بحيث يشمل كافة أفراد المجتمع. بل ويتعين أن تقوم الدول بتوفير الدعم المادي لهذه المنظمات، دون اشتراطات أو فرض قيود على عملها، طالما أنها تعمل للصالح العام، ولا تقترب مما قد يؤثر على تجانس أفراد المجتمع وتقدّمهم ورفاهيتهم. كما يتعين أن يتم تصحيح مفهوم عمل منظمات المجتمع المدني «الملتبس»، وبيان أنه لا يعمل «ضد» الدول، أو يسعى إلى تقويض جهودها نحو رفاهية المجتمع وسعادته. *أكاديمي وإعلامي قطري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©