ستشهد لندن غداً اجتماع المانحين للشعب السوري، وستجلس تلك الدول الكريمة والسخية لتعلن عن الملايين، وربما مليارات الدولارات التي ستخصصها لمساعدة الشعب السوري المنكوب، وتعتقد تلك الدول أنها ستساهم في تخفيف معاناة شعب، لا يموت بسبب البراميل المتفجرة ، ولا بقصف الطائرات، ولا برصاص القناصة وسياط الجلادين، ولا بسكاكين الإرهابيين، فقط، بل أصبح حتى برد الشتاء يجعل ذلك الشعب متجمداً في مكانه. السر الكبير الذي لا يعرفه المانحون، أو ربما يعرفونه أكثر منا، هو أن الشعب السوري الذي صمد على أرضه لا ينتظر من العالم دولاراته، لأنه يعلم أن تلك المليارات ستتبخر وهي في طريقها إليه، ولن يكون نصيب الشعب منها إلا قليلاً، لذا فإن ما ينتظره ذلك الشعب الصامد من العالم هو أن يمنحه «السلام».. منحة سلام عالمية لشعب قُتّل وشُرّد وجُوّع، هذا هو المطلوب فقط، فهل يستطيع العالم أن يقدم هذه المنحة التي لن تكلف خزائن حكومات العالم شيئاً، وستمنح الشعب السوري كل شيء وتعيد إليه الأمل في الحياة من جديد؟ الأمم المتحدة تناشد المانحين التبرع بمبلغ 7,7 مليار دولار لتمويل عمليات إغاثة لـ 22,5 مليون نسمة في سوريا والبلدان المجاورة في العام الجاري. ولكن المانحين لم يتبرعوا إلا بـ 43 بالمئة من مبلغ الـ 2,9 مليار دولار الذي طلبته المنظمة الدولية في عام 2015... وتقول الجهات التي تستضيف مؤتمر المانحين، إن على المجتمع الدولي مضاعفة جهوده لمساعدة المهجرين الـ 13,5 مليون داخل سوريا، علاوة على الملايين الذين نزحوا إلى الخارج، هذا حسب تقرير نشر مؤخراً، فهل يتجاوب المجتمع الدولي مع هذا النداء؟ لا شك في أن السوريين والعالم يقدّرون دور الدول والمنظمات التي تشارك في مؤتمر المانحين، وهي بريطانيا وألمانيا والنرويج والكويت والأمم المتحدة، فهذه الدول تقوم بدور إنساني مهم، وتسعى لجمع الأموال، وتحديد الحلول للتمويل على الأمد الطويل والتصدي للاحتياجات بعيدة المدى للمتأثرين بالأزمة السورية عن طريق تحديد سبل خلق فرص عمل وتوفير التعليم... والشعب السوري بحاجة إلى هذا الجهد وهذا التحرك، لكن على بقية دول العالم أن يكون لها الدور المعنوي القوي في منح الشعب السوري السلام، وإنهاء هذه الحرب التي لم تُبقِ ولم تذر، وبنظرة متأنية ومحايدة في نتائجها نكتشف أن الجميع فيها خاسر. التعهدات بالمنح كثيرة، والأرقام التي يتم الإعلان عنها كمنح لإعادة الإعمار كبيرة، لكن البعض يلتزم بما يعد به، والبعض الآخر لا يلتزم، لذا فليعمل العالم على منح ما يمكن أن يمنحه لسوريا، ولنفكر بالسلام وليفكر الفرقاء بوضع الخلافات جانباً حتى يصلوا إلى حل.