الإشارات الحياتية هي رفيقتنا الدائمة، توجهنا وترشدنا نحو طرق السلام، ولا تأتي لتقودنا إلى الشر، بل تدفعنا بعيداً عنه، تحاول وتصر أن تأتي وتتكرر في أشكال وصور مختلفة، لتصحح المسير، لتنير الطريق.. وهناك من ينتبه إلى هذه الإشارات، ولكن في الوقت نفسه هناك من لا يراها ولا حتى يلمحها، ويندفع غير مدرك أنه قد فوت درباً معبداً بالسلام والخير، ذلك لأنه انغمس كثيراً في زحمة الحياة، في صراعها المرير لأكثر من منطق البقاء، للحصول على أكثر من الحاجة، للانغماس في زيف التفوق والمظاهر المتلاشية في الملح.. الإشارات تعاود تقديم العون، إلا أن مثل أولئك البشر قد سُدت آذانهم وعُميت أبصارهم عن الرؤية، فقطار حياتهم قد اندفع بسرعة عالية نحو القسوة. ولفهم الإشارات يحتاج المرء إلى السكينة، والقدرة على الاستيعاب والقبول، وعلى الفرز، يحتاج قلباً مليئاً بالمحبة، بالقناعات الكبيرة في جمالية الوجود. لذا يلجأ الكثيرون أحياناً إلى الوحدة، إلى الاختلاء بالنفس والاقتراب كثيراً من الطبيعة بتشكلاتها الرحبة حتى يتمكنوا من رؤية دواخلهم وفهم اتجاهات البوصلة على خريطة الحياة. فالإشارات الحياتية تأتي عبر كل شيء وفي كل لحظة، ولاستيعابها تحتاج منا الانتباه الدائم، انتباهاً يشبه الطيران على حقل الورد... ومن أجل إدراك استيعاب الإشارات، ذهب المعلمون الأوائل للبشرية إلى الذات مباشرة لإدراكها وتصفيتها من الشوائب عبر النأي بأنفسهم عن صغائر الحياة والاعتزال بعيداً عن صخب البشر والاعتكاف في أعالي الجبال وقرب الأنهار، في الغابات والبراري، ينصتون لأصوات الهواء والماء والشجر، يمعنون التحديق في تفاصيل فن الخلق ويذهبون عميقاً في تنقية الذهن والنفس.. وعندما عادوا ملؤوا الكون نبوءة وحكمة. وفي هذا العالم المستعر، نحتاج كثيراً إلى الإصغاء لصوت الجمال القادم عبر الطبيعة وعبر الفنون، نحتاج إلى نفض الغبار من على الأنفس وإزاحة التكلسات التي شوهت القلوب والأرواح وأباحت الظلم والحقد والقتل، أشعلت الأرض، شردت الأطفال والأمهات وسكبت دم الشباب الذي كان من المفترض به أن يرفع من وتيرة الجمال، نحتاج في هذا العالم إلى الإنصات للإشارات التي تدلنا إلى منجاتنا، إلى معاني أكثر رفقاً بالإنسان، إشارات تقودنا إلى الارتقاء حيث المحبة، وحيث المعاني الجميلة في اليومي من الحياة.