سبعة وعشرون عاماً مضت.. مثلنا تماماً، منذ آخر حلم كان في قبضتنا وقبضة المصريين. ذهبوا إلى إيطاليا معنا في العام ألف وتسعمائة وتسعين، لم يكن في ظنهم ولا في ظننا على الإطلاق أن نغيب كل هذا الغياب. إيطاليا مضت وبعدها وقفنا فقط في صفوف المهنئين.. وحدها روسيا بدت على غير ما اعتاد البقية.. فتحت ذراعيها للمصريين، وطالما أنهم هناك فنحن أيضاً هناك.. نحن وأهل النيل سواء.. هكذا تأكدنا أمس الأول.. لم تكن مصر وحدها التي تلعب.. كنا معها.. كانت شوارعنا تضج بالفرحة، وكانت قلوبنا باتساع الشوارع في مصر والإمارات. لم أكن أتصور أن أبكي إلا لبلدي، فتأكدنا في ليلة النصر تلك أن مصر أيضاً بلدنا وأنها في القلب تجاور الوطن، كما نجاور نحن في قلوب المصريين بلدهم. الصعود المصري إلى كأس العالم، جاء بعد عناء.. جاء عصياً وصعباً.. كانت ولادة مستحيل، بعد مباراة تلاعبت بالأعصاب حتى اللحظة الأخيرة، وشهدت أقصى دراما الكرة.. تقدم فيها الفراعنة بهدف، قبل أن يباغتهم منتخب الكونغو بالتعادل في وقت قاتل ومحبط.. في الدقيقة السابعة والثمانين.. بدا الحلم لوهلة يتفلت من الأيدي ويوشك أن يغادر الصدور.. وحده محمد صلاح «أبو مكة» بدا وكأنه يرى في الأفق ما لا نرى.. لملم جراحه سريعاً، ونادى على زملائه اللاعبين، كفارس قادم من بعيد، لتدور الدائرة، ويحصل المنتخب المصري على ضربة جزاء مستحقة، أحرز منها صلاح الخير والفرحة هدف الفوز الغالي الذي أسعد كل العرب من المحيط إلى الخليج. هنا كانت الفرحة بطعمها ولونها في مصر تماماً.. هنأهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.. هنأهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. هنأهم سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.. هنأهم سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان.. لم تكن برقيات وفقط.. كانت أحاديث الصدور المحبة وخفقات القلوب العاشقة لمصر والمصريين. هذا ما تفعل الكرة بالقلوب.. لا يمكن تصور حجم فرحتها إلا حين تأتيك.. تقفز وكأنك تريد أن تلامس السماء.. تشعر أن كل ما حولك تغير وتبدل.. يبدو الصباح غير الصباح والمساء غير المساء.. كل شيء ليس على سجيته المعتادة.. هذا هو الحلم الذي تفلت من إحدى يدينا فأمسكت به اليد الأخرى.. نعم نحن يد ومصر يد.. نحن قلب ومصر الصدر.. نحن عين وهي الأخرى.. نحن وهي كيان واحد.. هذا ما تأكد في ليلة العبور المصري إلى المونديال. نبارك لمصر وشعبها الطيب هذا النصر الكبير في أيام النصر المجيدة، ونبارك لمنتخبها، ولنجمها محمد صلاح صانع الفرحة.. مبروك لكل العرب، فمصر قلب العرب. كلمة أخيرة: محمد صلاح جسد درساً عملياً.. كيف بإمكان الاحتراف الخارجي أن يصنع لاعباً يساوي فريقاً بأسره.