أن يفكر شخص أو دولة، في إذكاء الشوفينية أو العرقية أو اللونية، فذلك مدعاة للسخرية والسخط من الذين نوروا الحياة بنجوم الفكرة المضيئة، ونسجوا قماشة الإنسانية من حرير الشفافية، والحيوية، ومن يفكر في خدش هذا الجدار البشري إنما يعبر ذلك عن خراب داخلي يعانيه هذا الشخص أو تلك الدولة، لأن من الطبيعي أن يختلف الناس في كل شيء، ولكن من غير الطبيعي أن يحيلوا الخلافات إلى جمرات الحقد والكراهية. فالحقد نار لا تأكل إلا صاحبها، والشوفينية أنانية وانطوائية، تدخل أصحابها في غرف مغلقة مظلمة، لا يرون فيها أخمص القدم، وبالتالي فإنهم يسيرون عمياناً، يتعثرون في خطواتهم نحو خارج الغرفة المعتمة، وعندما تفتح لهم أبواب الغرفة، فإنهم يصابون بالغشاوة، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً سوى اللطم على الخدود والضرب على الصدور. إيران دولة جارة ولو حاولت تجزئة الواقع فإنها لن تستطيع إلا أكل جزء من رغيف الحياة، وبالتالي فلكي تنهض إيران، وتستقر اقتصادياً واجتماعياً عليها أن تعترف أن على الخريطة هناك دول أخرى تعيش معها على الأرض، ومن حقها تقاسم لقمة العيش الهانئ، أما البحث عن ثغرات للدسائس والمكائد والخلخلة والزلزلة والجلجلة، فإن كل ذلك لن يضر إلا بأصحاب النوايا السيئة. فدول الخليج العربي تنطلق من مبادئ سامية، إلا وهي العيش بسلام وأمان مع الجميع من دون المس بالثوابت الوطنية، ومن أجل ذلك فإن هذه الدول عملت جاهدة منذ أمد بعيد على عقد التوازن في العلاقة مع إيران، وبث روح الاحترام والتقدير، وعدم التعرض لسيادة الدول الأخرى، وهذه الرسالة لا تدل على شيء إلا الإيمان بالقناعة الراسخة لدى جميع هذه الدول، بأن القوي هو من يقدر الآخر. والقوي هو من يضع العلاقة مع البعيد والقريب متساوية عند خط المصالح المشتركة التي تخدم الشعوب، وتحقق تطورها ومستقبلها، وتبني مجدها، وتشيد حضارتها المستنيرة. دول الخليج لا تريد من إيران إلا شيئاً واحداً ألا وهو أن تفهم أن التوسع على حساب الآخر، ليس إلا وهم، يقود أصحابه إلى الضياع في غياهب الأطماع، والتيه في شعاب وهضاب أحلام اليقظة، وكل ما نتمناه أن تلتفت إيران إلى مصالحها، ومصالحها مرتبطة بالعلاقة المتساوية مع دول الخليج، وأن تتخلص من عقد الأنا المتورمة، وأن تتحرر من تراكمات الماضي الأليم الذي يعشش في أذهان بعض منظريها، نريد إيران العاقلة، إيران الدولة التي تحترم المواثيق الدولية والأعراف والقيم الإنسانية.