لحظة البدء كانت في توها تنطلق، وكان البدء سينبئ عن جذوره البكر على طريقة الشغب الأولى بعيداً عن قضايا الزمن.. سيرفع الستار عن وجوده من جديد، وعن ماهية إنسانيته ونسق تكوينه، فلازال كل شيء مستمراً حسب آلية الزمن، ولازال الإنسان يبحث في غموض الأشياء فلا يسعفه إرثه الذاتي القديم ولا ماضيه السحيق ولا نواة الحقائق التي تلعق من حضوره وألق التفاصيل اليومية، على تحقيق بداياته ونهاياته. لم يكن البدء يمر بعيداً عن حكاية القلق واضطرابات ما قبل الفرح المتجذر في الحياة وتفاصيلها المحفوفة بنشيج اختلافات البعد الفكري والذاتي، ورغم ذلك العالم يرتقي منذ نشأته ويقترب إلى الآخر، ويبتعد حسب غرائبية التكوين ونسيج الرؤى المختلفة والمتصالحة مع التكوين البشري، إلا أنه العالم لا يعدو كونه مزيجاً من الحب والسلام تخالطه العداوة والتشنجات، وأحياناً تحفه الذوات المتربصة بالإنسانية.. هي تود أن تهدم من أجل بناء واهٍ في زمن لا يمت لروح الحياة، فقدر هذه الحياة التحول والتقدم، وقدر الإنسان ألا يفرّط بثقافته وموروثه وتكوينه المتأصل على القيم التي تنبثق من الذات الإنسانية، فحالة البدء توحي بأنه رغم المنجز الفكري، فإن حالة العبث هي جزء من هذه المنظومة الحياتية، إلا أنها جزئية هادمة يختلف حولها الفكر وينظر إليها على أنها خارج هذا الجسم الساعي نحو الاستقرار النسبي الموصل نحو تجسيد الحياة لمعناها الجميل ولصورتها النقية من الشوائب. هل يبحث الإنسان عن عالم افتراضي؟ عالم أقل توتراً وشقاء وعبثية، عالم خارج نطاق الكون والتكوين المتجسد، وبالتالي تجريد العالم من التأصيل النابع من الكراهية وأمم الاستفزاز وقمم الإسهاب المكتظة بالرقص على أجساد البشرية.. فالبدء هو النواة التي من شأنها أن تعيد الإنسان إلى تكوينه أو تأصيله إنساناً حراً يعلو نحو أعلى مراتب الحياة، ففي البدء يحضر الإنسان على أنه مقبل على حياة ثقافية شفافة والانعتاق من الخوف والاتجاه نحو النور.