«العالم يعيش حرباً عالمية ثالثة أعلنها المتطرفون الذين شوّهوا الإسلام، وأعلنوا حرباً على المسلمين وعلى الغرب، ولابد من خوض هذه الحرب معاً والانتصار فيها» استوقفتني هذه الكلمات التي قالها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي خلال محاضرته التي ألقاها أمس، في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وجعلتني أتساءل: ما الذي يمكن أن نستفيده كعرب من الأزمات والحروب من حولنا، ومن هذه الحالة التي وصفها ساركوزي بأنها حرب عالمية ثالثة؟ الأزمات التي تعصف بالأمة العربية كثيرة، والتحديات التي يواجهها العرب أكثر من أن تعد أو تحصى، ومع تعدد وتعقد هذه الأزمات والتحديات يبقى الدرس الذي ينبغي أن نستوعبه جميعاً واحداً - وأخشى أن العرب لم يستوعبوه بعد- وهذا الدرس هو أن العرب لا ينبغي أن يعتمدوا إلا على أنفسهم، ويجب عليهم عدم انتظار هدايا الآخرين والبناء على مواقفهم، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن اعتماد العرب على أنفسهم وأخذ زمام المبادرة يؤتي أُكله، وقد حدث هذا عندما أعلن العرب حربهم على الإرهاب بكل أشكاله وأطيافه، وأطلق التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل باليمن، وثبت أيضاً في الأزمة الأخيرة التي افتعلتها إيران مع المملكة العربية السعودية، لكنها الآن تدفع ثمنها غالياً نتيجة للموقف العربي والخليجي الحاسم ضد الغطرسة الإيرانية. في زمن يعتقد ساركوزي أنه زمن «الحرب العالمية الثالثة» لا يمكن البناء على مواقف الآخرين من خارج المنظومة العربية، أو الاعتداد بها، لأنها مواقف مبنية على توازنات مصلحية ضيقة، لا على مبادئ راسخة، ولأن العلاقات بين إيران والقوى الإقليمية والدولية فيها كثير من الالتباس والغموض والأمور غير المنظورة.. ومن حق كل دولة بالطبع أن تبني علاقاتها مع الآخرين كما يتراءى لها ولا لوم عليها في ذلك، ولكن اللوم على العرب إذا اعتمدوا كثيراً على مواقف هذه القوى ذات العلاقات الملتبسة والغامضة مع إيران وغيرها.. وبعض تلك المواقف المتأرجحة سوف تكون مدمرة للعرب إذا كان كل اعتمادهم عليها ووقفوا مكتوفي الأيدي في انتظارها، أما إذا غادر العرب محطة انتظار مواقف الآخرين، وركبوا قطار الاعتماد على أنفسهم، فإن هذه المواقف التي يتبناها الآخرون لن يكون لها أي قيمة، وإذا أخذ العرب أمرهم بأيديهم، فإن التباس مواقف الآخر سيعود عليه هو بالضرر.. لقد عانينا وما زلنا نعاني كثيراً، وربما سنعاني طويلاً جراء ترك أزماتنا وقضايانا للآخرين حتى وصلت إلى مرحلة اللا حل، كما حدث في فلسطين وليبيا وسوريا والعراق، وكاد يحدث في اليمن، لولا أن العرب استوعبوا الدرس وتولوا الأمر بأنفسهم، ومزقوا الأجندة الفارسية، وقطعوا رأس الأفعى، وبقي ذيلها الحوثي والمخلوع، كما أخذ العرب زمام الأزمة الأخيرة مع إيران بأنفسهم، فأصيبت طهران بالتخبط بعد أن فوجئت بهذا الموقف العربي والخليجي الحاسم، وما زلنا نقول للعرب: إنه لا حل سوى اعتمادنا على أنفسنا، وهذا هو الدرس الوحيد من الأزمات المتعددة.