الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إبحار في لا نهائية الفن

إبحار في لا نهائية الفن
13 يناير 2016 23:43
إبراهيم الملا (الشارقة) بقدر ما يفصح عنوان «سفينة نوح» عن أبعاد ميثولوجية ولا هوتية تستحضرها الذاكرة الجمعية للشعوب، بقدر ما يضمر هذا العنوان ثيماته المتوارية في اللاوعي والمبحرة كذلك باتجاه الدهشة والمغامرة واكتشاف الفن والوجود في مديات شاسعة ولا متناهية. «سفينة نوح» كانت هي الثيمة التي اعتمدها المعرض السنوي الرابع والثلاثون لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية الذي افتتحت فاعلياته مساء أمس الأول بمتحف الشارقة للفنون ويستمر حتى الحادي والعشرين من شهر مارس المقبل، يعرض من خلاله الفنانون المشاركون 27 عملاً، بالإضافة إلى سبعة أعمال تعرض في منارة السعديات بأبوظبي. ويشير القيم على المعرض الفنان محمد المزروعي إلى أن ثيمة «سفينة نوح» تؤرخ لمستوى تزاوج الفلسفي المفكّر مع البصري، بما يتجاوز الوعي الشخصي للفنان، مضيفاً أن أكثر فناني المعرض أنجزوا أعمالاً حديثة من أجل السفينة، ومنهم من استعاض بجزء من أعماله القديمة مع جديد آخر، ومنهم من قرّر سلفاً التمسك بعاداته الفنية، وأوضح المزروعي أن المعلومات الخاصة بالأعمال المصاحبة لقاعات العرض، تضمنت عبارات تعريفية ودلالية، بعيداً عن فكرة العنونة الخاصة بالفنان اسماً ومفهوماً كي يترك الأمر لسياقه البصري الأقرب لوظيفة العين. اشتمل المعرض على أطياف تشكيلية متعددة كاللوحات الزيتية والأعمال التركيبية والمفاهيمية وأعمال الفيديو آرت بالإضافة إلى أعمال نحتية، بحيث تقترب سيميائياً وضمنياً من صيغة الترحال المشترك في الفضاء الزمني الممتد للتأملات البشرية المبكرة وصراع الإنسان الأول مع الطبيعة المتوحشة وصولاً إلى المفاهيم المكثفة للحداثة وما بعدها في الأزمنة المعاصرة. ففي عمل للفنان الإماراتي الرائد حسن شريف نرى أسلاكاً معدنية متشابكة وملتفة تقدم تأويلات دامية ورموزاً جريحة حول أزمة الإنسان القابع في تابوت الصمت والاستلاب الروحي، وهو العمل الذي وصفته مدونة المعرض باستدعاء مفهوم عدم الاستقرار الذي يحمل في التفسير الاجتماعي مغزى إشكالياً، ولكنه عند حسن شريف أشبه باصطلاح فلسفي يمر بصيرورة فارغة من أي معنى أو استهداف، والغرض من ذلك بسيط: فأنت عندما تغرق في البحر، تكون على علم كلي بأنك لا محالة ميت بعد ثوان، لكن معرفتك الكليّة هذه لن تنقذك من مصيرك المحتّم. أما عمل الفنان سالم الجنيبي فيطرح إشكالات عدة حول الطفرة البترولية سلباً وإيجاباً مستعيناً ببراميل تندلق منها كتل سوداء، بينما البراميل الأخرى ملتحفة بأوراق الصفحات الاقتصادية، وكأنها الوقود المحرك لهذه الصفحات في تعاطيها مع واقع مربك ومرتهن لسعر هذه البراميل صعوداً وهبوطاً وسط مجتمعات غارقة في وعي ممزق بين الرفاه والفقر، وبين الطمأنينة والشك، وبين الهدوء القلق، وحروب المستقبل. ويصف لنا الفنان ناصر نصر الله طبيعة العمل المشارك به في المعرض، والذي أطلق عليه مسمى: «الكهف» بأنه يتبع سلسلة من لوحات قام بتنفيذها سابقاً بخامة الفحم في أول تجربة له مع هذه الخامة، كي يمنحها أبعاداً جديدة تماشياً مع ثيمة المعرض، عزّزها بتكوينات تعبّر عن المغامرة البحرية والترحال العاطفي والذهني بين الذكر والأنثى، واستحضار صور الحيوانات والنباتات المكدسة في سفينة نوح، والأفكار المتضادة لمعاني الغرق والنجاة، والتيه والوصول، والخوف والأمان، وغيرها من الدلالات الكثيرة لقصة النبي نوح في القرآن الكريم، ولفت نصر الله إلى أن الخيال الاستعادي كان له دور كبير في المزج بين المناخ الأسطوري والحكاية الدينية الموثقة، وبين الأشكال والعناصر التي اختار أن يؤنسنها في لوحاته، ويضفي عليها طابعاً طفولياً يعبّر في النهاية عن طفولة البشرية ذاتها في تعاملها المبكر مع شيفرات ورسائل الكون والطبيعة. ونوه نصر الله إلى أن المعرض السنوي قدم في دورته الحالية أسماء جديدة للساحة التشكيلية المحلية، كما أن الأسماء المخضرمة مثل محمد القصاب على سبيل المثال قدم أعمالاً تجريدية عبّرت عن مدى الغنى والثراء الفني الذي يتمتع به عمل القصاب على امتداد تجربته الطويلة في هذا المجال. بدورها أشارت الفنانة ميثا عبدالله إلى أن مشاركتها في المعرض تضمنت لوحات جدارية وأعمالاً تجسيمية ترجمت من خلالها رحلة الفنان إلى ذاته الغامضة وإلى أحلام وكوابيس الطفولة، مثل القارب الذي يعود إلى النبع ويحمل ما نسيه في الضفة القديمة من قلق وهواجس ورعب منسي بات بحاجة لبحث وتحليل وعلاج، حتى وإن كان هذا العلاج مقترناً بالشغل الفني نفسه، كنوع من التنفيس أو الاعتراف، الأشبه بالمونولوج اللوني والتشكيلي المقتبس من مشاهد بعيدة في الماضي، وحية ونابضة في الحاضر، ومرصودة أيضاً لمستقبل قادر على تجاوز الإخفاقات السابقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©