أنت سعيد، راض بما أنت عليه، وتستمتع بأيامك كما يجب في هذه السنوات التي لم تعد فيها شاباً صغيراً يركض خلف الأيام بمرح وطيش، قلبه عامر بالشغف واللامبالاة وبالقليل من التجارب والصدمات والكثير من الأحلام والرهانات والأوهام، أنت لم تعد ذلك الطفل الذي يريد الحصول على كل شيء، لم تعد ذلك الممتلئ بالصحة والدماء الساخنة، مع ذلك فأنت اليوم أجمل وأكثر حكمة، وممتلئ بالتجارب، وقادر على التمييز والاستمتاع بالحياة، صحيح أنك كنت أكثر شغفاً فيما مضى، لكنك اليوم أكثر قدرة على الشعور بمتعة الأسفار وحلاوة الوقت وقيمة الأصحاب، صار لكل شيء قيمة ومعنى، وأصبحت تعيش الوقت جيداً يصحبك ذلك الرفيق الجميل كطفل يقبض على أصابع يدك بجمال خاطف: هدؤوك وحكمة الأيام! سعيد أنت إذا كنت تنظر إلى وجهك صباحاً في المرآة وأنت تحلق ذقنك أو أنت تضعين زينتك، فتريان تلك الخطوط الرفيعة أسفل العينين أو عند أطراف الشفتين، فتقولان تلك ضريبة الأيام، النجاحات، الأولاد الجميلون الذين يحيطون بنا، الكتب الكثيرة التي قرأناها والمكانة الرفيعة التي وصلنا إليها والأوقات الممتلئة بالكثير الكثير. إنها خطوط تماس ضرورية بين معارك الحياة التي خضناها وأوقات الهدنة التي حصلنا عليها، وكلها كانت في صالحنا! سعيد أنت إذا كنت تنظر إلى صورك التي تخصك أنت وأصحابك أيام الدراسة الثانوية والجامعية ورحلات الكشافة وسفريات الصيف البعيدة من دون أن تجتاحك حالة زعل أو بؤس مفاجئة، فاليوم أنت على عتبات عمر مختلف، لكنك تعيشه كما عشت تلك الأيام، وربما بوعي أكبر وبتقييم أعلى للعمر والوقت واللحظات والأيام، فالثري الممتلئ بالمال يبذر ما بين يديه من دون حساب أو انتباه، لأن لديه الكثير فلا هو يدخر ولا هو يستشعر المتعة، بينما الذي لا يمتلك مثله ينظر لكل درهم بفرح إذا كسبه وبمتعة فيما ينفقه، إن الأيام هي أغلى ما ننفقه من دون أن نشعر أحياناً! كثيرون ممن نعرف يشعرون بالأسى والحزن، وربما جميعنا نشعر بذلك للحظة، حين نتأمل صورهم أيام الشباب، فليس أجمل منا في ذلك العمر، ليس هناك عيوب بالمطلق، وجوه لامعة، عيون تشع بالعافية والحياة، شعور صقيلة وأجساد جميلة وأصحاب كثر، لكن من قال إن الأيام لا تمنحنا أشياء أجمل وأصدقاء أجمل ومفاجآت أجمل كلما تقدمنا في العمر، ومن قال إن الحياة تحقق لنا كل ما حلمنا به في تلك الأيام، تبقى حزمة أشياء وأحلام يمكننا أن نحققها حتى ونحن نذهب بعيداً ملوحين لأولئك الصغار الذين في صورنا!