أنت أيها النجار، دع عنك هذه الأبواب التي كلما صنعتها تكسرت، وانفض يديك من المسامير لأنها تصدأ، وتعالَ معي ندحرُ الأبواب التي أوصدها الأوصياء وسدّوا من الأفق الرحابة. سندخل أنا وأنت من فسحة الأمل، وسنجلس معاً على قارعة الحنين نراقب مرورها حين تأتي مطرزةً بالمفاتيح، وعلى فمها يصدحُ العصفور، وبين يديها يجلس التاج الذي إذا لبسناه، صرنا ملوك الشعر، وسادةَ المنادين، واشتعلت رؤوسنا بالحكمة حدّ الجنون. وأنت أيها الحداد، اغسل ذراعك من بقايا الفحم، واركل كرة الحديد التي ربطها الزمان في قدميك، وهلمّ معي نفرش الأرض قبل مرورها بالنرجس الأبيض، وننثر على الطرقات بذور الأماني كي تدوس عليها لتكبر، ولنكبر معها أقوياء في الحب، أشدّاء إذا هبّت علينا الريح وما من مأوى لنا سوى الأحلام، وأقصدُ الأحلام التي تولدُ من اسمها، وتصير نوراً في عيوننا حين ننطق بنيّة أن نراها تأتي من بعيد. وأنت أيها الفلاح، انزل من نخلة الصبر خاوي اليدين لا أحد يريد ثمارها، واربط على رأسك عقال المجنون وتعال معي لنزرع أرض المُنى بفاكهة المنال، ونسقي الذكريات بماء النسيان نغسلها من جفاف الانتظار، فإذا وصلنا قرب نهر مرورها، سنقفز في المغامرة، وليجرفنا التيّار بعيداً، إلى البحر الذي احتشدت عليه سفن العشّاق، ولم يجد أحدٌ منهم المرسى، إلا في بحر عينيها. وأنت أيها الصيّاد، ستعود شباكك خاوية كلما رميتها في الركود، ولن يمنحك البحر إلا ما يكاد يسدّ الرمق، ولن تذوق شفاهك ابتسامة الندى. تعال معي لندخل في العاصفة، وليرفعنا الهوى إلى كمال دورته حين نرى بأم العين، المرأة التي شعرها الريحُ، ووجها قمر القصيدة ثم نسبحُ معاً في غيمة من نار كي نلامس طرف ابتعادها في الأغنيات. أنت أيها الموظف، اضرب بيديك على طاولة الفراغ، اركل كرسي الرتابة، لأنك لو عشت دهراً كاملاً لن ترى اسمها يبرقُ في الملفات التي يكدّسها المديرون على صدرك، ولن يتاح لروحك أن تقترب لحظة من معنى الحرية، إلا إذا تبعتني نمشي لنصعد جبل النهايات الأخيرة، وهناك على قمة المستحيل، حين تفتح ذراعيك ملء الفضاء، ستدرك أن الحياة لحظة حب صغيرة.