يقول المسيح عليه السلام، إنه يحب المذنبين، لأنهم يحتاجون إلى المزيد من الحب. قد نستغرب هذا القول، لأننا لم نتعلم كيف نحب، وكيف ننشر الحب، وكيف نتعاطى الحب مع الآخر. لو تخيلنا أن شخصاً ارتكب خطأ ما ووقفنا في وجهه، مؤنبين، موبخين مقرعين، لائمين، ماذا ستكون النتيجة؟ هذا الشخص قد يمتنع عن تكرار ما فعله على العلن، لكنه في الخفاء، وتحت لحاف الخوف سوف يمارس الفعل نفسه، وبتماد، لماذا؟ لأننا في التوبيخ لمسنا الأنا، واستفززنا الشخص، إلى درجة أننا أحسسناه بأننا لا نلومه لأنه أخطأ، بل لأننا أردنا أن نقول له إننا الأحسن منه، وإنه الدوني، والناقص. كما أننا أوصلنا له رسالة مبطنة، فحواها، أننا نكرهه. هذا الإحساس يؤدي بكل مخطئ لأن يشمر عن ذات حمقاء، وعنيفة، وضدية، تنذر نفسها للدفاع والحماية، وردع العدو. نجد مثل هؤلاء الأشخاص الذين يواجهون مثل هذه الظروف، أشداء في العناد، فقد يذعنون ظاهرياً، لكنهم في الخفاء يحاولون معاقبة من أنبهم بكل صرامة وجسارة، مقتنعين أن ما يفعلونه هو الأمر الصحيح، وأن ما يواجهونه من عيون حمراء، ما هي إلا كبر وتعنت. ولكن عندما يدخل الحب غرفة الرعاية والحماية، فإنه يهمس همس النسيم، ويلمس لمس الورود، وينثر عبيره بمرش الود والملاطفة، فيصل العبق إلى قلب المخطئ، فتنفتح له شرايين القلب، وتطير له الروح مثل فراشة عاشقة، وتهفهف له أوراق النفس، ولا تسمع من المخطئ إلا صوت حفيف الأوراق ورفيف الأشواق، وتبدو السماء صافية من غير غيمة، مكدرة ولا موجة هادرة، والحياة تسير على باقة عشب قشيب، والعلاقة بين الناصح والمنصوح، تمضي على صهوة جواد أصيل، لا يخب ولا يجب ولا يعب، ولا يكب ولا يدب، إنه الحب إذا لامس الشغاف أينعت له الأغصان الرهاف، ومالت له الأعطاف، وغنى له الطير، وهدل الحمام، وتنادت النجوم متلألئة، ناصعة، ساطعة، رائعة، مستمتعة بثراء الحب، وسخاء النفوس الغنية، بميكانيزمات الحب. كل ما يحتاجه المذنب هو الوقوف معه على ضفة النهر، والقول له، إن هذا النهر عميق، وبإمكانك تحاشي النزول فيه. كل ما يحتاجه المذنب أن نبتسم في وجهه عندما نريد أن نقول له لا، فهذه الـ «لا»، قد تكون مثل العذوبة، أو مثل الملوحة، فنحن الذين نضع السكر في الوعاء، كما أننا نحن الذين نضع الملح. فلنختر السكر، ليرتشف المذنب، ونرتشف نحن، وتستمر الرشفات، لتصير نهراً يغسل أعشاب الوطن، وتختفي الأخطاء، ويصبح المذنب بلا خطيئة، ونصير نحن النهر الذي غسل. نصير نحن الماء، ويصير المذنب الزعنفة التي مرت من هنا، ولم تغرقها موجة. ونصير نحن العذوبة، ويصير المذنب شفة الكأس الشفيفة.