السفر مع الصغار، كمن يطير بأجنحة متكسرة، أنت المعتاد على التحليق بعيداً ووحيداً، خفيفاً كسعفة يناغيها الريح، وأين ما هبّت ذرت، أما توأم من أولادنا يحبو نحو الثالثة، فليسوا مثل أولاد الإنجليز ينامون في السابعة بعد أن يشربوا الحليب الفاتر، ويندسوا في «بيجامات» قطنية دافئة، ويناموا على أصوات الملائكة، بعد أن ينصتوا لأمهم وهي تقرأ عليهم قصة ما قبل النوم، نحن لأن البنت أكبر من أخيها بدقيقة، تريد كل شيء حقها منذ الصغر، وأن تمنعنا في تلبية طلباتها، وهي طلبات لا تنتهي، وهي لا تمل منها، أرخت تلك الشفة السفلى بكسل، وحركت عينيها في محجريهما بدلال لا ينم إلا عن كثير من الابتزاز، وزيادة العطف والشفقة، ولأن الصغير باعتباره الأمير غير المتوج، ويريد أن يظهر رجولة مبكرة، ما له غير أمه يعرف كيف يجعلها تناديه بالغالي، «ولا خليت وعونك»، ولو كان على حساب الصغيرة الماكرة، التي ستأخذ بثأرها في خلسة من عيون الرقباء، ولن يسلم الصغير من عضة ستحمل علامة لأيام أو نقطة ضعف شمشون شعره، وستكون خصلة من شعره في قبضتها الصغيرة، منصور يعتبر أي تجمع وفيه ناس هو عبارة عن عيادة أو مستشفى، لذا سيكون صراخه محرجاً لرجل مثلي كثير الاعتذار، لكنه سيضحكني بعدها وحينما تفهمت المضيفة الأوروبية المكتملة الأنوثة معنى أنه بحاجة لحليب، وأنه لم يبلغ الفطام بعد، وقالت عنه بمزح: «أنه نوتي» فتلقفتها سهيلة، وأردفت معلقة على حديث المضيفة: «هيه.. ترى أبوه قبله، نظر عينه الحريمات»، فقبلتها على مضض، ولا أبرئ نفسي الأمّارة بالسوء، أما الصغيرة الحور، فتعتقد أن المطار بمثابة بيت أبيها، وأن جل المسافرين من أهلها، فتعيث في ذلك المكان «حشرة» وركضا، وسقوطا على الرخام، ولا تهدأ إلا بالمرضعة أو باليد التي تترك خدها محمرا، لتعود بعد ذلك الصراخ للهدوء، ومن ثم تطلق كلمة من كلماتها المتعثرة، فتسلم على رجل عجوز، وتمد له يدها اليمنى، فتكاد تفرحه حد أن تسقط من عينه دمعة، السفر مع الأجنحة المتكسرة من أصعب الأمور، وأجملها، لكنه في الغالب مزعج حد الضجر والغضب، كأن يمشي الصغير واثقاً من خطواته الأولى وتقول سيلعب مع الطفل الذي يطالعه ببراءة فيعادله، ثم يدفعه، ولو لا تهذيب بعض الأهل لما انتهت الرحلة دون شجار مجبر عليه، خاصة وأن سهيلة ليس عندها مثل عيالها، وأن عيال الآخرين هم «العيّالين»، وربما أكملت السفر مع الأجنحة المتكسرة غداً. ‏?