تقف عند الشاطئ، وترى البحر هائجاً، فيصيبك الانقباض، وتتكدر. تعبس، وتعقد حاجبيك، وتمط بوزك، وتذهب إلى أي مكان متشائماً، تريد أن تقول شيئاً، لكنك تمسك عن الكلام. تصادف شخصاً يتصرف بسلوك غير مألوف لديك، فتكفهر وتتذمر وتود لو أنك تستطيع أن تفعل شيئاً إزاء هذا الشخص النافر. تدخل على مديرك في العمل، وتجده يناقش موظفاً بعصبية، يوبخه ويكيل إليه الكلمات اللاذعة، فينتابك شعور الرفض لهذا التصرف الذي تعتبره غير أخلاقي. وهكذا، طالما أنت تعيش في مجتمع البشر، وليس الملائكة، فتوقع مثل هذه السلوكيات، وأكثر منها. ماذا إذاً عليك أن تفعل حتى ترتاح وتستعيد سعادتك؟ قم بالاسترخاء، وفرغ عقلك من الأفكار، فهي التي جلبت لك كل هذا الغم عندما صورت لك أنك الوحيد في هذا العالم السوي والذي يمتلك قلباً ملائكياً، ولذلك على كل الناس أن يلتزموا بأخلاقك، وإلا سيصيبك سلوكهم الشاذ بالأذى. كن فرداً في المجموع، وجزءاً من الكل، ولا تميز نفسك عن الآخر، ستجد الأمور تسير بسلاسة ويسر، ولن يكدر صفوك أي سلوك لأي شخص ما، مهما بلغ به الانحراف عن قاعدة البيانات التي تعلمتها منذ الصغر. أنت بحاجة إلى تنظيف العقل من الأفكار المسبقة، كما ذكر روسو. أنت في المكان الوسيع، أنت عند شغاف الغيمة، أنت على ظهر الموجة، أنت في قلب النجمة، عندما تكون أنت، وليس الماضي، بكل مخلفاته ونفاياته. عندما تكون صافياً ونقياً من هذه البقايا، تتحرر من الإدانة، ولا يصبح أي شخص في هذا الكون، يسبح ضدك، بل ستجد كل الناس يرتدون ثياباً بيضاء ناصعة، لا تشوبها شائبة، ولا تخيبها خائبة. أنت بعيداً عن الشخصنة لن تشعر بالحاجة إلى إدانة أحد، لأنك لا تحس بوخز الأنا، الذي هو السبب، والنتيجة لكل إرهاصات العقل، وكل تناقضاته المريرة. الأشخاص السعداء، هم أولئك الذين تحرروا من توجيه الاتهام إلى الغير، وهم الذين يقبلون الأشياء كما هي من دون مقدمات، ولا رواسب تحيل بين الفرد وسعادته. كن أنت في الـ«هنا»، ولا تكن في الـ«هناك». هناك صور خيالية، وأوهام توحي إلى أنك لا تستطيع عبور النهر، إلا بإزالة هذا الشخص وذاك، لأنهما يعرقلان مسيرك، هذا التصور يجعلك في وضع الخائف، والخوف طريق إلى إدانة الآخر، والإدانة مثل الغبار في الوعاء القديم، عندما تستولي عليك، مشاعر الإدانة، فإنك تمتلئ بالغبار ولن تجد مجالاً لوضع السعادة. سوف تهرب السعادة، وسوف تمكث أنت في قلب التعاسة. لا تدين حتى لا يحتلك الضعف، فعندما تضعف تخاف، وعندما تخاف تضطر «الانا» للبحث عن ضحية تدينها، وتضل أنت وسط جدلية الضعف، والخوف، والإدانة، وخلف هذا المثلث، تكمن السعادة، التي تعيش دوماً مع الإدانة.